عادل نعمان
استفزنى صديقى المحامى المشهور للكتابة حول تعديل المادة 35 من قانون الشهر العقارى ولائحته التنفيذية، الصادرة فى 5 يناير من هذا العام، وكنت قد آليت على نفسى عدم الكتابة فى السياسة أو فى الشأن العام، واكتفيت بزاوية الحديث حول تجديد الخطاب الدينى حتى لا أجنى ثمارا لا تؤكل فى غير أوانها، ولا أصادف من النوازل ما لا تحمد عواقبها، إلا أن الأمر هنا أصبح ينذر بخطر داهم قد نبهنى إليه صديقى هذا.

ولقد انتشرت على شبكة التواصل الاجتماعى هذه التعديلات، وكم تمنيت أن يخرج علينا من يكذبها أو ييسرها على الناس، إلا أن الأمر مازال يسير على مساره، ومازالت الحيرة تتمكن من خلق الله، فاللهم عليك بنا حتى نريح ونستريح. وأظن وبعض الظن إثم وقبله أيضا، أن التعديل على هذا النحو لا يخرج عن ثلاث، الأول: صدر دون دراسة شاملة، وعدم دراية تامة بطبيعة الملكية فى الريف خصوصا وفى الحضر عموما، وأن ما يزيد عن خمسين فى المائة من الأراضى غير مسجلة تسجيلا نهائيا، وإذا أردنا تسجيل الوحدات المقامة عليها عجزنا عن ذلك. الثانى: تعظيم موارد الدولة المالية من جيوب المواطنين، وإغراقهم لسنوات فى دهاليز المحاكم، وقطع أنفاسهم فى أروقة المصالح الحكومية، واللهث خلف ورثة الأملاك للبحث عن ورقة هنا أو هناك، والتفتيش عن مسلسل الملكية من قبر ميت إلى قبر ميت آخر، ومن حى هنا إلى حى هناك، حتى ينجو من ينجو، ويموت فى معركته هذه من يموت. الثالث: ومعه يتوفر حسن النية حول رغبة الدولة فى تثبيت وتأكيد ملكية الناس، وحصرها أيضا، وحسن النية هذا ليس طريقا إلى الجنة فى بعض الأحيان.

.. وأنا أقسم هنا أننى مع كل قرار فيه مصلحة المواطن، وليس عيبا أن يكون للدولة أيضا نصيب مما فى جيوبنا، فنحن نرعاها ونصرف عليها، ونراها أما رؤوما وترانا نحن المتسولين على أبواب المساجد ونعود لها بالخير الوفير فى المساء، لكننى ضد عشوائية القرار دون دراسة، ومع ضرورة معرفة جيدة لطبيعة الملكية، والأهم أن يأخذ القرار أو القانون الوقت الكافى والمناسب لتنفيذه، دون عجلة فى الأمر، ولو قرأ أسيادنا أن «فى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة» ما تراجعوا عن قرارات كثيرة غير مدروسة كما حدث من قبل فى غرامات التصالح، ولو تدارسوه وأفاضوا فيه وعرفوا من الناس تفاصيله وأسراره ومشاكله لكان القرار صائبا وعادلا، وما فتحوا أبواب الفساد والاحتيال، وأبشركم أنهم سيتنازلون عن الإجراءات السليمة قريبا لإنجاز المهمة لنيل الرضا، وتحصيل أموال التسجيل، ومع هذا التساهل ستعم الفوضى والفساد والتزوير، وسيلجأ الكثيرون إلى شهود الزور والأوراق المضروبة وستضيع حقوق الكثير من الناس وأملاكهم، وستكون الغلبة لمن كان فى أول الصفوف حتى لو كان مزورا وفاسدا، وكان الأجدر التعامل مع الأمر بحكمة، الريف طبيعة الملكية فيه تختلف عن المدن، والمدن الجديدة تختلف عن القديمة، والساحل الشمالى والسخنة مختلف عن هذا وذاك، ومستندات الملكية تختلف فى كل منهم، وهناك أراض فى أماكن ممنوع تسجيلها، ومعظم ملكية سكان الإقليم بعقود إبتدائية، وغالبية الأراضى غير مسجلة، والمالك الرئيسى إن لم يكن مقيما بها فعليك السلام، ولكل مكان طبيعته الخاصة، وتحتاج تعديلا تشريعيا فى إجراءات التقاضى وكذلك فى التسجيل.

ونقترح على السادة الأفاضل تأجيل هذا القرار لمدة خمس سنوات لترتيب الأوضاع، على أن يتم تسجيل الوحدة تسجيلا مستقلا عن الوحدات الأخرى فى ذات المبنى، دون الحاجة إلى تسجيل الأرض. تصوروا لو أن مالكا اشترى أرضا من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ووفقا لهذا القرار لا يعتد بأوراق الهيئة الحكومية هذه أمام شركات حكومية أيضا وهى الكهرباء أو الغاز أو المياه، إلا إذا سجل الأرض فى الشهر العقارى، (هنا فقط أرفع صوتى وأقول عرفت سبب هذا القرار) أرجوكم تراجعوا عن هذا القرار الذى يربك السوق، وتدارسوا الأمر جيدا مع أصحاب الشأن والمتخصصين. فليس هكذا يكون تحصيل المال، وليس من الحكمة الاستهانة بمقدرات الناس ومصالحهم وأملاكهم. أعاننا الله عليكم.
نقلا عن المصرى اليوم