بقلم الدكتور مجدى شحاته
بعد ليلة التجلى الرائعة على الجبل مع رب المجد يسوع ، حيث النور السماوى الازلى ، وصوت من المجد الاسنى ، ورؤى ، وتجليات ، مع موسى وايليا من أنبياء العهد القديم . وارتفاع معنويات وروحيات التلاميذ حتى عنان السماء . وقبلها كان الاعتراف الصخرى المذهل ،  للقديس  بطرس الرسول" أنت هو المسيح ابن الله الحى " . بعد كل هذا المجد العظيم والمبهر، لم يستطع التلاميذ أن يخرجوا روحا نجسا من الشاب المصروع البائس المسكين !!  وهم أنفسهم ، نفس التلاميذ الذين رجعوا ذات يوم من خدمتهم ، وهم فى غاية الفرح والتهليل والنشوة ، قائلين لمعلمهم رب المجد يسوع : " يارب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك "  عجبا !! لماذا لم يخرج الروح النجس من الشاب المصروع بعد كل هذا ؟ لماذا لم يستطع التلاميذ اخراج الشيطان من الشاب  فى الوقت الذى اُعطيت لهم الموهبة ومنحوا السلطان باخراج الشياطين ؟ ( لو 9 : 1 ) . كان الامر ُمحيرا وصعبا وغير مفهوم للتلاميذ أنفسهم وكذلك الجموع الحاضرة وحتى والد الشاب المصاب . 
 
 
وجاء السيد المسيح فى الوقت المناسب ، بعد ان استعصى على التلاميذ استخراج الشيطان من الشاب . وكان الكتبة والجمع قد التفوا حول التلاميذ يحاورونهم . جاء رب المجد ليرفع الحرج عن التلاميذ ، وينمى الايمان فى قلوب الجميع . الرب يطلب ايمانا قليلا ، ولكن ليس ضعيفا . حتى لو كان هذا الايمان فى حجم حبة الخردل ، يمكن له ان ينمو ويكبر ويصبح شجرة كبيرة مورقة ومثمرة . هذا الايمان الصغير كحبة الخردل ، قادر ان ينموويزدهر وان يزيح الخطية الراسخة كالجبل . السيد المسيح حجب عن تلاميذه مؤقتا موهبة اخراج الشياطين ، حتى يدركوا أهمية الصوم والصلاة . فيبدوا أنهم بعد مشهد التجلى على الجبل وما رأوه ، شعروا بنشوة واكتفاء ، جعلهم ينسون قيمة الصوم والصلاة . لذا قال لهم يسوع :    " واما هذا الجنس  فلا يخرج الا بالصلاة والصوم " ( مت 17 : 21 ) . أى صوم هذا الذى يطرد الشياطين ؟؟ وأى صلاة هذه التى تقهر الارواح النجسة ؟؟ أهو مجرد الامتناع عن أطعمة معينة ؟ وصلاة باهتة ؟ بالطبع .. لا .. لكنها العلاقة القوية المقرونة بالايمان ، بين الصائم المصلى وبين الله ، هذه العلاقة القوية ، لا يحتملها الشياطين وكل الارواح النجسة ، فتهرب بلا رجعة . 
 
ما قاله الرب يسوع لتلاميذه ، يأتى بمثابة رسالة قوية لنا اليوم . ألا نتكاسل أو نكف عن محاربة ابليس بالصوم والصلاة . واذا منحنا الله عطاياه التى دائما ما تغمرنا ، فينبغى علينا الا ننشغل او نتكاسل ونهمل او نكف عن الصوم والصلاة . نحن فى زمن تحاصرنا فيه الشياطين والارواح النجسة  من كل صوب ومكان ... وباء كورونا الذى يضرب العالم  ، المشغوليات البطالة ، الاباحية ، الالحاد ، سخافات الفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعى ، التنمر ، التعصب ، قساوة القلب ، الشذوذ الفكرى بكل انواعه ، الانانية ، الاستغلال ، الكذب ، الرياء ، محبة المال ، تعظم المعيشة ، الانحلال عن القيم الانسانية ... والقائمة طويلة... 
 
الانسان الذى لا يصلى ، قد اعتمد على ذاته واكتفى بقدراته ، معتقدا ان قوة ذراعه قادرة على تحقيق كافة رغباته وآماله وكأنه استغنى عن الله . الانسان غير الصائم ، فقد نعمة التحرر من الطعام الارضى ، وفقد اختبار الغذاء الروحى ، ونسى كيف يحب ويعمل بكلمة الله . الصوم والصلاة قادران على طرد كافة جحافل الشياطين التى تتربص بنا  بلا رجعة . الصوم والصلاة هما اللذان رفعا ايليا الى السماء . الصوم والصلاة هما اللذان عمل بهما موسى حتى أخذ الناموس والوصايا المكتوبة باصبع الله
 
مع بداية صوم هذا العام ، فلنتعهد بألا ناخذ من الصوم شكلياته ، بل ندخل الى العمق . لا نعتبر الصوم مجرد تغيير أو تبديل نوع الطعام بآخر . انما نحرص ان يغير الصوم أمرا فى حياتنا للأفضل . فلنتذكر كم من أصوام مرت علينا على مدى سنين طويلة ، ونحن كما نحن ؟ لم نتغير . تأمل لو كنا مع كل صوم ، قد نجحنا فى الانتصار على نقطة ضعف واحدة  فى حياتنا ؟؟ أو حرصنا على ممارسة فضيلة روحية نافعة ؟ لابد وبالتأكيد كانت حياتنا تبدلت للأفضل ، و تجددت وتصالحت مع الله فى امور كثيرة جدا . ولكن ... الفرصة مازالت سانحة أمام الكل ، للتدريب  ... ولو على فضيلة واحدة .... مع بداية هذا الصوم المقدس ، نصلى لصاحب الصوم ، ان يمنحنا قوة من قدسه للتحرر من ( الانا ) , وأن نصوم عن محبة ذواتنا كما نصوم عن الطعام . وأن نمارس حبنا لله ، من خلال محبتنا لكل الناس . عملا بقول معلمنا بولس الرسول : " وان سلمت جسدى حتى احترق ، وليس لى محبة لا أنتفع شيئا " ( 1كو 13 : 3 ) ومن منطلق هذا الحب ، علينا أن نربط صومنا الكبيرهذا العام ، بالشهادة لله المحب ، خلال تقديرنا للصدقة وجهادنا من أجل خلاص كل أحبائنا . ان الصوم الكبير من أغنى أوقات السنة التى فيها يقدم المؤمنون الكثير للفقراء والمحتاجين أخوة الرب . متذكرين كلمات الكتاب المقدس " أليس هذا صوما اختاره ، حل قيود الشر. فك عقد النير واطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير. أليس ان تكسر للجائع خبزك ، وأن تدخل المساكين التائهين بيتك ؟ "   ( أش 58 : 6 ) .  دامت محبتكم ... وكل عام وانتم بكل الخير ...