كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
لقد ظل الأدب الساخر يشكل وجوده في حياتنا أهمية الاحتياج للتقييم والنقد والقياس والمعايرة بشكل محبب ومستساغ في مشاهد القراءة المختلفة، غير مستثنيًا حقلاً من الحقول، فالحياة الاجتماعية مسرحه، والسياسة بمواقفها المتباينة تشكل المدد المستمروالمتنوع والساخن، على أن يكون المكون الساخر في أي من ألوانه في لغة رشيقة تعتمد تقريب المتفرقات، واستدناء ما بيدو بعيدًا في صور كاريكاتورية تبعث على التأمل بقدر ما تحمل في طياتها ضحك لا يفك إساره من رغبة في البكاء، وبكاء لا يتنازل عن بسمة بين الدموع.. ولهذا فإنه فن لا يجيده إلا القليلون، ولا يحسن أداؤه إلا المتمرسون.. فيخطئ من يرى فيه فضاء لـ”المسخرة” من الآخرين، ويجانب الصواب من يربطه بالهزل والتفاهة والهيافة .
 
للأدب الساخر حضوره في تاريخنا الأدبي؛ بل لقد كان له أثره البالغ في فترات من تاريخنا إذا كنا فعلاً نؤمن بتأثير الأدب على مجرى التاريخ. لكننا في عصرنا الحالي نكاد نفقد هذا الفن الجميل والراقي والهادف أيضًا، وربما كان لإيقاع عصرنا المتسارع أثر في انزواء هذا الفن الجميل.. وقد يكون السبب في تلك الحالة من الانزواء شيوع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانفجار الساخر الذي حدث محليًا وإقليميًا وعربيًا مع اشتعال ثورات الربيع العربية بشكل عام ، وما تلى ذلك من فترة حكم الإخوان بشكل خاص إلى حد الاعتقاد أنه لو تم رصد ما صدر من تعليقات ونكات ورسوم ساخرة على أداء وتصرفات رموزهم بشكل عام ورئيسهم بشكل خاص لكنا في حاجة إلى مجلدات تاريخية ضخمة تتناول غباوات وهيافات وعدم مسئولية ومراهقة فكرية وأكاذيب عبيطة وثقل ظل وجهل سياسي واقتصادي واجتماعي .
 
يظل الهدف من السخريهّ مثلما تتســع لاستيعاب الأخطاء ، فقد ترتفع سدا بوجه اليأس الذي تصفعنا به المفارقات اللامعقوله في الحياه. فتمنحنا الشجاعه لمواجهه مصيرنا بأسلوب تهكمي، فكه، لكنه في ّ الأغلب، قائم الملامح موجع. من هذا تتزاوج الســخريه في وجهها الهازل مع الألم، فيأتــي لوقعها صدي غريب، يمتزج فيه اليأس والرجاء، الدمعه بالضحكه، المأســاة بالملهاهّ ، في خلط مذهل. 
 
الأدب الساخر مادة شائقة وجاذبة لكل فئات المجتمع، وله جاذبيته في ربط القارئ بالمطبوعة أو بالحضور للملتقيات الأدبية ، فالقارئ يبحث بشكل عام عن المقال الساخر، والقصيدة الساخرة، والقصة الساخرة، وكل فروع الأدب التي تعتمد على السخرية في الطرح والمعالجة، وأرى أن أي مطبوعة تفسح المجال للأدب الساخر سوف يكون لها الحظوة والقبول أكثر من غيرها، والأدب الساخر لا يختلف عن الأدب الجاد في الهدف والمقصد، فكلاهما يسعى لتوصيل فكرة معينة أو طرح رأي في قضية ما، أو نقد سلوك في المجتمع أو تعزيز خلق حسن، وأخيرًا يشتركان في تحصيل المتعة والترفيه، إلا أن الأدب الجاد يتخذ الوضوح والصرامة في الألفاظ، والطرح، والكلمات المألوفة، والبعد عن المتناقضات والمقابلات ، أما الأدب الساخر بكافة فروعه فهو يعتلي مطية السخرية في معالجة الحدث، أو يقدم الفكرة بطريقة شائقة تدعو للغرابة، وتستثير النفس نحو التعجب والضحك، وفي الوقت عينه لا يفقد المتلقي فهم الفكرة تمامًا كما لو طرحت عن طريق الأدب الجاد، اللهم فقط أسلوب الطرح والتوصيل.
 
الكاتب الساخر يناشد القارئ استيعاب الفكرة مبتسمًا لا أن يستقبلها متجهمًا ..