دانيال بوجي يوسف
((ذات مرة كتب طه حسين الى زوجته سوزان يقول: «بدونك اشعر اني اعمى حقا. اما وانا معك، فإني اتوصل الى الشعور بكل شيء، واني امتزج بكل الاشياء التي تحيط بي». وعندما

رحل هو عن العالم، كتبت هي تقول: «ذراعي لن تمسك بذراعك ابدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، اريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وامام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، اريد ان ارى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، اريد ان ارى من جديد ابتسامتك الرائعة))

والان ياصديقى لابد ويجب على ان احكى لكم قصة الحب الرومانسية بين طة حين  الرجل العظيم الذى يشرفنا كمصريين وايضا الفتاة الكاثوليكية التى احبت طة حين بكل مشاعرها واتركم مع قصة حبيبين فاق حبهم الجميع

طه حسين مع زوجتة
تعرف الدكتور طه حسين على السيدة سوزان عندما كانت تقرأ مقطعا من شعر رايسين فأحب نغمات صوتها وعشق طريقة إلقائها وتعلق قلبه بهذا الطائر الأجنبي الذى حط فى في أعشاش قلبه الحزينة متذكرا قول بشار بن برد والاذن تعشق قبل العين أحيانا ..

لقد كان حب عميد الأدب العربى لهذه الفتاة الفرنسية بمثابة التزاوج الروحى بين ضفتى المتوسط ومحاكاة حضارة الشرق مع الغرب ، كما أشار إلى هذا الحب الكاتب الفرنسى الكبير روبيرت لاندرى حيث قال وذات يوم بينما طه حسين فى مقعده فى قاعة المحاضرات فى جامعة السوربون سمع صوتا جميلا يرن فى اذنيه صوت صبيه حنون تقول له بعذوبة : إنى أستطيع أن أساعدك فى استذكار الدروس، وكانت صاحبة الصوت ما هي إلا ( سوزان ) الطالبة الفرنسية المنحدرة من عائلة كاثوليكية وقد ظلت مترددة فترة طويلة قبل ان توافق على الزواج من طه حسين الرجل المسلم، وذلك بعد ان استطاع أحد أعمامها أن يقنعها وكان ذلك العم قسيسا وقد قال لها : مع هذا الرجل يمكن ان تثقى بانه سيظل معك إلى الأبد وسوف تسعدى ابدا « فتزوجته فى التاسع من اغسطس1917 وفعلاً ربما تعيش المراة مع رجل أعمى أحبها بقلبه قبل أن يراها بعينيه أجمل واسعد أيامها بدلاً من أن تتزوج رجل لديه عينين يرى بهما كل نساء الدنيا فيهفو قلبه لتلك وتتعلق روحه بأخرى .. فكيف وهي تتزوج من دكتور وأديب ورجل لديه الإصرار على قهر الإعاقة التي ولدت لتكون سبباً في دخوله التاريخ الأدبي من أوسع أبوابه !

ولان السيدة سوزان كان لها الأثر العظيم فى حياته بعد ذلك ، فقد قال الدكتور طه حسين عن يوم لقائه بها ( كأنه تلك الشمس التى اقبلت فى ذلك اليوم من ايام الربيع فجلت عن المدينة ما كان قد اطبق عليها من ذلك السحاب الذى كان بعضه يركب بعضا والذى كان يعصف ويقصف حتى ملأ المدينة أو كاد يملؤها اشفاقا وروعا واذ المدينة تصبح كلها اشراقا ونوراً  .

هذا الشاب الذي جاء من قريته فقيراً، كان يتناثر الأكل على ملابسه عندما يأكل، وكان لا يعرف كيف يعتني به، فجاءت سوزان التي غيرت حياته كاملة، وأصبح ممتناً لها، حتى عندما كانت نائمة أشار إليها وقال لابنته : إن هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانا آخر!

وتقول سوزان في كتابها بأن طه حسين كان يعاني من نوبات كآبة، فعندما تأتي هذه النوبات، ينعزل ولا يقابل أحداً، ولا يتكلم ولا يأكل، وكانت زوجته تعرف بحكم معرفتها من بلدها بأن هذا يسمى اكتئاباً، لكنها خشيت من طه ان يعالج من هذا الاكتئاب حتى لا تجرحه، حيث كان شديد الحساسية بسبب اعاقته البصرية، فلم ترد ان تزيد الأمر عليه. كانت تقول بأن نوبات الاكتئاب، أو كما كانت تسميها بأنه سيقط في بئر عميق لا يستطيع أحداً الوصول إليه.. إذا يتعزل العالم، ولا يعود يرغب في أي شيء مهما كان، حتى أبنائه رغم حبه الجارف لهم كان يتجنبهم ويعيش عزلة تامة، منقطعاً عن كل ما حوله. وتقول زوجته بأن لو كان هناك شيء يساعده على ان يتخلص من هذه النوبات فلا شك بأن إنتاجه سوف يكون أفضل وأكثر !

ذات مرة كتب طه حسين الى زوجته سوزان يقول: «بدونك اشعر اني اعمى حقا. اما وانا معك، فإني اتوصل الى الشعور بكل شيء، واني امتزج بكل الاشياء التي تحيط بي». وعندما رحل هو عن العالم، كتبت هي تقول: «ذراعي لن تمسك بذراعك ابدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، اريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وامام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، اريد ان ارى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، اريد ان ارى من جديد ابتسامتك الرائعة.