عادل نعمان
ونحن لن نقف عند المطالبة بعقد مدنى ملازم لوثيقة الزواج على الشروط التى يرتضيها الطرفان فقط، أسوة بما كان معمولا به فى مصر بدايات القرن الماضى، وفى العهد العثمانى، لنقفل أبواب الهجر والخلاف بين أطرافه، ومتى كان الفراق أمرا مقضيا بات المصير محدد الخطوات والملامح، ولا يتجاوزه ولا يسرف فيه طرف على الآخر، ولنسمح لقارئة فاضلة أن تضيف للضرورة، عن «سكينة بنت الحسين» أنها كانت تشترط على أزواجها «قالوا تزوجت ست مرات» تشترط فى عقودهم جميعا أنها لن تطيع أحدهم ولن تفعل إلا ما يمليه عليها عقلها، ولا تعترف لهم بحق تعدد الزوجات».

بل أكاد اطمئن على إصرارنا على تجاوز عراقيل وضعها المشايخ لنظل أسرى تاريخهم، وتطويع كل أمورنا إلى المنهج العقلى والعلمى، فما توافق مع العقل وأجمع عليه العلم، وصلح به حال الناس، ونفع به المجتمع أجزناه ورضينا عنه، وما تعارض مع العقل وتناقض مع العلم، وأساء للناس وأضر المجتمع، نازعناه وعارضناه وفارقناه إلى حال سبيله راضيا مرضيا.

نحن سنصر على إثبات الطلاق رسميا أمام الموثق والشهود كما تم الزواج، حتى نحمى بناتنا من تغول التاريخ الذكورى، ونميل جميعا مع مشايخ قد أيدوا ذلك كما قلنا سابقا، الشيخ الطوسى والسيوطى وإلالبانى والمذهب الجعفرى. وخذ بين يديك هذا التعديل من بلاد الجزيرة (السعودية تبدأ فى توثيق الطلاق أمام المحكمة بشكل إلزامى للزوج والزوجة، وإلغاء الطلاق الشفهى للحد من العبثية والكيدية، وحماية المرأة، ولن يتم الطلاق إلا بحضور طرفى النزاع أمام المحكمة، ولن يصدر مرسوم الطلاق إلا بعد حسم الخلاف حول النفقة والحضانة) أليس هذا ما صدروه لنا وقالوا عنه الحق الأبدى الأزلى؟ بل هو زمانى مكانى ومحدث

.. فما عدلوه وما بدلوه إلا لتجاوزه زمانه ومكانه، وما كان متوافقا أصبح متعارضا، وما كان يدور مع العلة أصبح يدور عكسها.

وسنحاول أن نضع أحكام المواريث أمام ميزان العقل لنرى فيه ما هو أحق بالاتباع، وأنفع للناس والأسرة، ويسد احتياجات الناس، ويتماشى مع الحقوق والواجبات، وقد اعتمد الناس فى بلادى أوائل القرن الماضى هذا الحق فى الإضافة والتعديل فى «الوصية الواجبة» وغلبت المصلحة، ولم يلتفتوا لما قاله بعض المشايخ: إن هذا مخالف لشرع الله، بل باركوه وأيدوه، ولما وجدوا له إجازة وموافقة ورضا فى المذهب الجعفرى: هللوا وكبروا وقالوا بينة حميدة، وبرهان مشكور، وحجة ممدوحة، أحق للمسلمين جميعا اتباعها وليس المذهب الشيعى فقط، وعاش أبناء الابن المتوفى حال حياة الجد، كما عاش أولاد عمومتهم دون فقر وحاجة، بعدما حرموا ميراث الجد دون سبب يذكر، وسنرفع الأمر للناس والمجتمع ونطالب بأن تكون المصلحة والمنفعة هى أساس الأخذ بالحكم أو تعطيله أو توقيفه كما فعل عمر بن الخطاب من قبل، وكما التزموا بما قررته الثورات التحررية والقوانين الدولية من إلغاء الرق والاستغلال وعدم التعدى على حق الغير فى دينه وماله وعرضه، واستجابوا ولبوا وخضعوا.

سوف نرفع عن كاهلنا ما التزم به الأجداد، ونفض عهدا وميثاقا بليت أوراقه من كثرة التنقل والترحال، ونفك ما أبرم من التزام مهما كان الحبل مبروما ومحكما، ونتبرأ فيه من كل عهد وميثاق يخالف منهاج النبوة، وصدق وأمانة الرسالات، حتى لو أقسموا لنا بشرف الأيام والليالى أن ما جاء فى تراثنا هو الحق، وما ساروا عليه هو الصراط المستقيم، فلا صراط سوى صراط العدل، ولا عدل إلا إذا كان من حق الخصم كما الحليف، والغريب قبل القريب.

سوف نستمر فى المطالبة بحذف المادة الثانية من الدستور المصرى، فالدولة لا دين لها، لا تصلى ولا تصوم ولا تحاسب عن أفعالها يوم القيامة، ولا تدخل النار إن أخطأت، ولا تفوز بالحوريات العين إن أصابت، ولا تحكمها سوى الشريعة الإنسانية التى تساوى فى الحقوق والواجبات، وأن القانون سواء بين الجميع، والعدل أساس الملك، وحرية العقيدة حق للجميع، وهى كيان مدنى يضم بين جنباته مواطنين من أديان ومذاهب وعرقيات مختلفة، ويحكمها قانون وضعى، ولا سلطان على مقدرات الناس سوى سلطان العقل والعلم، وتقدم الأمم مرهون بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية.

سنرفع أصواتنا عالية تطالب بالمساواة بين الجميع الرجل المرأة، المسلم وغير المسلم، ولا استعلاء لجنس على الآخر، ولا استقواء لدين الأغلبية على دين الأقلية، ولا غلبة لمذهب على مذهب آخر، ولا علو لدم على دم آخر، ولا ولاء إلا للعلم، ولا براء إلا من الجهل والتخلف والهمجية والفوضى، وسنقدم الاعتذار لما فعله الأجداد فى خلق الله من قتل وأسر وسبى ومضاجعة النساء الأسيرات الذليلات بغير حق، وبيع الأطفال وقتل المحاربين العزل، ونرفع راية الإسلام السمح فى أيامه الأولى لخير البشرية، ورحمة للعالمين، بعيدا عن سياسة الحكام وأهواء الخلفاء، ومن أراد السير معنا، فهذا طريق الله على رحابته يسع الدنيا كلها، وهنيئا لمن سار فيه يرجو لقاءه على محبة الناس أجمعين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
نقلا عن المصرى اليوم