مينا بديع عبدالملك
ارتبطت آثار منطقة تونا الجبل باسم عالم الآثار المصرية د. سامى جبرة. وسواء رحلة د. سامى جبره مع العلم أو رحلته مع اكتشافات آثار تونا الجبل كلاهما شيقة وجديرة بالتسجيل والتأمل والتذكر أيضاً.

وُلد سامى جبره عام 1893 بأبنوب التى تقع بجنوب مصر على الجانب الشرقى من النيل شمال أسيوط، وأتم دراسته الثانوية بالمدارس الأمريكية بأسيوط وبيروت. سافر بعد ذلك إلى فرنسا وهناك التحق بجامعة «بوردو» Bordeaux حيث حصل على ليسانس الحقوق، ثم أكمل دراسته حتى حصل على درجة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1919 وكانت رسالته بعنوان: (نبذة عن التاريخ الاقتصادى والسياسى للملكية العقارية فى مصر).

وبعد أن عاد إلى مصر قام بتدريس القانون بالجامعة المصرية القديمة. فى تلك الأثناء علم أن السيد أحمد كمال قام بإنشاء فرع لدراسة تاريخ وحضارة الشعب المصرى بمدرسة العاديات (أى مدرسة الآثار) بالقاهرة فالتحق بها لدراسة الآثار. وبعد فترة تم اختياره مع اثنين آخرين للسفر فى بعثة إلى فرنسا وإنجلترا لمواصلة دراسته العليا. وفى عام 1926 حصل على دبلوم الآثار من جامعة ليفربول Liverpool بإنجلترا وكانت رسالته بعنوان: (فكر القضاء فى مصر القديمة)، وفى عام 1929 حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون Sorbonne بفرنسا، وكانت رسالته بعنوان: (مجالس الموظفين بمصر القديمة).

بعد عودته إلى مصر عمل لمدة خمس أعوام أميناً للمتحف المصرى بالقاهرة، وبعد ذلك قام بتدريس تاريخ مصر القديم بالجامعة المصرية وشغل بها وظيفة مدرس. ثم بعد ذلك عُين مديراً لمعهد الآثار المصرية فكان بذلك أول مصرى يتولى إدارة هذا المعهد بعد علماء الآثار الفرنسيين والإنجليز. فى تلك الأثناء لم يغفل الجانب البحثى فقام بمهام التنقيب والتفتيش فى مناطق صعيد مصر وخاصة حفريات قبل التاريخ بدير «تاسا» Tasa جنوب شرق أسيوط. لكن اسم سامى جبره سيظل مقترناً بمنطقة «تونا الجبل» أو مقبرة «هيرموبوليس مجنة الجبل» الواقعة فى طرف الصحراء وعلى بُعد من الشاطئ الغربى لبحر يوسف، التى استمر يعمل بها أكثر من عشرين عاماً ساعده فى أثنائها خبير رسم الآثار المصرية بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية الأستاذ بديع عبدالملك (1908 – 1979)، وفى هذا العمل المتميز أمكنه الكشف عام 1931 عن منطقة جنائزية مساحتها تبلغ أكثر من 28 فداناً راسخة خلال أكثر من ستة قرون منذ عصر الإسكندر الأكبر حتى القرن الثالث الميلادى. وقد قام بتسجيل مذكراته فى هذا الكشف الهام فى كتاب صدر بالإنجليزية بعنوان: (فى رحاب المعبود توت: رسول العلم والمعرفة – مذكرات أثرى) وفى عام 1974 قام عبدالمعطى جلال بترجمته والدكتور أحمد بدوى بمراجعته، وصدر عن الهيئة العامة للكتاب، ويقع فى 190 صفحة ويضم 55 لوحة. وكان ثمن الكتاب وقتها 100 قرش. وقد قال أيتيين دريتون – المدير السابق لمصلحة الآثار المصرية والأستاذ بالكوليج دى فرانس – عن هذا الكتاب: (قد حرص الأستاذ سامى جبره على تعريف جمهرة القراء الواسعة بنتائج الجهود التى بُذلت فى الكشف عن مدافن هرموبوليس التى زارها الرئيس «هيربو» وأفرد لأثر تلك الزيارة وقيمة ما شهد فيها من آثار الحضارة فصلاً خاصاً فى كتابه العظيم «المحراب». ووفق الدكتور سامى فى تقديم ذلك الأنموذج المثالى لوصف أعماله العلمية وما أحاط بها من أحداث). كما ذكرت السيدة نوبلكور: (من اليسير على القارئ أن يدرك بالتدريج ما يسطره عالم الآثار المصرى الثبت الأصيل المزود بالمعرفة فى بساطة وتواضع). كما قال عنه د. حسين فوزى: (إن تونا الجبل عرفت سامى جبره مكتشفاً وأثرياً وعالماً ومؤرخاً. وإننى لأرجو أن تكون قيمة هذا العمل العظيم قد أدركت حقاً). طوال هذا العمل العظيم بتونا الجبل أصطحب معه زوجته وأولاده واستطاع أن يجعل من الصحراء – كما يشهد بذلك د. حسين فوزى والدكتور خلف الدوينى – ندوة جميلة بل ومحجاً يفد إليها العلماء المحبون للعلم والفن والمعرفة والمقدرون لكرامة البحث، فقد زارها د. طه حسين وإدوارد ربو وغيرهما. وكانت جريدة الأهرام قد خصصت صفحتها الأولى لأعمال الحفر بعددها الصادر فى 10 فبراير 1933.

وبعد أن بلغ السن القانونية عام 1953 قام بالتدريس فى المعهد الشرقى بجامعة شيكاغو الأمريكية لمدة عامين. وعند عودته إلى مصر اشترك فى ترميم متحف ملوى القريب من تونا الجبل والذى يُعد من أفضل المتاحف المصرية. وكان آخر المطاف أن اختير نائباً لرئيس المجمع العلمى المصرى بالقاهرة، وفى عام 1957 كرمته الدولة بمنحه جائزتها التقديرية.

استمر د. سامى جبره فى رسالته الصادقة والأمينة نحو الدراسات المصرية وأيضاً الدراسات القبطية حتى غادر أرضنا بسلام فى 10 مايو 1979 تاركاً سيرة حسنة وقدوة طيبة، يستحق منا كل تقدير واحترام ووفاء.

وفى عام 2004 عندما احتفل المعهد العالى للدراسات القبطية بالقاهرة باليوبيل الذهبى لتأسيس المعهد قام البابا شنودة الثالث (1971 – 2012) البطريرك 117 بتكريم اسم د. سامى جبره – أحد مؤسسى المعهد فى يناير 1954 – وقامت حفيدته باستلام شهادة التقدير وحفيدته هذه تحمل الكثير من ملامح جدها العظيم.
نقلا عن المصرى اليوم