محمد أبو الغار
صدر هذا الكتاب بالإنجليزية عن جامعة أدنبرة عام 2020 بقلم دينا حشمت، ونقلت الكتاب للعربية المترجمة العمدة شهرت العالم، وصدر عن دار الشروق عام 2021. وقد صدرت كتب كثيرة حديثاً عن تاريخ ثورة 1919، ولكن علاقة الثورة بالفن لم تكن واضحة فى هذه الكتب باستثناء كتاب زياد فهمى الرائع الذى صدر بالإنجليزية عن جامعة ستانفورد عام 2011، وهو يسجل الأغانى والنكت والسخرية والإسكتشات الكوميدية والمسرح والشعر وكيف كونت الهوية المصرية. وللأسف لم يترجم إلى العربية.

كتاب دينا حشمت يحكى عن صورة ثورة 1919 فى السينما والأدب والمسرح. وكان واضحاً أن دينا حشمت كانت تفكر فى ثورة 25 يناير وهى تبحث فى ثورة 1919 وكتبت عن رؤيتها لميدان التحرير والشباب ينظفونه، ومسح الشعارات من الحوائط ومحاولة إعادة كتابة ثورة 25 يناير بعيداً عن الزخم الثورى. وتقول إن ذلك حدث فى ثورة 1919 حين غطى نفى سعد زغلول على نضال المصريين. وتشير إلى أن أحداث ثورة 19 كتبتها وشكلتها النخبة وتم تهميش أصوات الناس وهو مشابه لما حدث فى 25 يناير ولكنها تؤكد أن 1919 و2011 كانتا ثورتين حقيقيتين شهدتا شعبية وزخما لم يسبق لهما مثيل.

تشير المؤلفة إلى أن التاريخ الحكومى بعد 1952 يؤكد أن ثورة 1919 فاشلة. وتعتبر أن صفية زغلول كان لها دور هام فى الثورة واستمرارها بعد نفى سعد زغلول. وتتحدث عن العمل المتميز للباحثة عالية مسلم عن ثورة الريف والفلاحين عندما اجتاح الإنجليز القرى وقتلوا 3000 فلاح فى الريف. وأعتقد أن مئوية الثورة أتاحت الفرصة لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة.

يشير الكتاب إلى العلاقة الوثيقة بين ثورة أيرلندا ومصر اللتين تزامنتا فى نفس الوقت. حتى إن الشاعر شوقى ذكر جماعة شين فين الثورية الأيرلندية فى قصيدة له، وأيد ذلك المؤرخ حسين عمر حديثاً فى مقال مفصل، قمت بترجمته ونشره فى أخبار الأدب.

قدمت المؤلفة لمسرحية أمين صدقى «الانتخابات» بطولة على الكسار، والتى انتقدت حكومة سعد زغلول بعدم تحقيق المطالب الاجتماعية للعمال والفلاحين وانحيازها لطبقة الملاك وأن الانتخابات لم تكن عادلة. والمسرحية الأخرى كانت جمهورية زفتى والتى قدمت الأحداث بصورة هزلية.

كان هذا النوع من المسرح المسمى الفوفديل عاملاً فعالاً فى تأسيس الثورة وقدمت العروض أيضاً فى الشارع واشتركت الفرق فى المظاهرات وكانت أشهر المسرحيات «قولوله» لنجيب الريحانى مع ألحان سيد درويش وفيها كانت الأغنية الأشهر «قوم يا مصرى».

أما عن الروايات فالضاحك الباكى سيرة روائية تدور أحداثها بين 1917 و1926 كتبها فكرى أباظة المنتمى للحزب الوطنى والطبقة العليا، والتى عبر فيها عن فكر طبقى، فهو استاء من دور ما سماهم الغوغاء فى النضال الثورى، وهو كان يعتبر أن الطبقة الوسطى الممثلة فى الأفندية هى مستقبل المجتمع. ويعرف الأفندية بأنهم صناع الحياة السياسية الحديثة والمؤسسات الاجتماعية والإنتاج الثقافى فضلاً عن أنهم مستهلكوها الرئيسيون.

ثم تحدثت عن عودة الروح (1933) لتوفيق الحكيم، فيها شاب من عائلة من ملاك الأراضى يحضر إلى القاهرة للدراسة وينخرط فى الثورة ويعبر عن مصر الجديدة ذات الجذور الفرعونية.

ثم تأتى المؤلفة إلى بين القصرين ونجيب محفوظ، وهى تروى صراعات الطبقة الوسطى فى القاهرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد كان لفوز محفوظ بجائزة نوبل وإنتاج فيلم كانت له شعبية واسعة أثر كبير فى ترسيخ فكر محفوظ عن ثورة 1919 والوفد فى العقل والفكر المصرى. واتهمت المؤلفة حسن الإمام مخرج الفيلم بالتأثر بالناصرية وأنه تجنب أى تلميح إلى الاضطرابات الواسعة أثناء الثورة ولا للمظاهرة النسائية الشهيرة.

وهناك كتاب عيسى عيد «مذكرات حكمت هانم» الذى نشر فى 1921 وهى قصة قصيرة تمجد الثورة على شكل يوميات لامرأة شابة غير تقليدية تشير إلى وحدة المصريين جميعاً وكذلك الأجانب.

ثم تنتقل إلى كتاب مصطفى أمين «من واحد إلى عشرة» وكتاب «أسرار ثورة 19». على ومصطفى تربيا أطفالاً فى بيت الأمة وكان زغلول بمثابة جدهما. والكتاب يحكى عن سعد زغلول القائد والمفكر الملهم ويقدم صفية زغلول على أنها أكثر راديكالية ويشرح النضال الشعبى فى المدن والريف. وتعتبر المؤلفة أن مذكرات الساسة من حزب الوفد وغيرهم تكتب تاريخ القادة ولا تذكر تاريخ الشعب ونضاله.

وهناك كتابا «قنطرة الذى كفر» لمصطفى مشرفة و«الفيلق» لأمين عز الدين وكلاهما يركزان على دور الشعب والطبقة المهمشة فى الثورة ويشكك الكتابان فى الدور الكبير لكبار الملاك من قادة الثورة. وفى الفصل الأخير تقارن المؤلفة بين ثورتى 1919 و2011 وتقول إن هناك تشابها مذهلا فى الغضب والفرح والخوف وخيبة الأمل. وتعلق المؤلفة على الانتشار الكبير للعديد من أشكان الفن فى الشارع وفى الميادين والمسارح الصغيرة فى الفترة من 2011 و2013. وقدمت عملين عن ثورة 1919 ظهرا بعد 2011 الأول «هدى الحرية» ومؤلفته ليلى سليمان وتعبر عن مشاعر الغربة والتهميش وتعتبر المسرحية نوعاً من المقاومة النشطة، وتصحب المسرحية أغانى ثورة 19 وألحان سيد درويش. والكتاب الآخر للروائى أحمد مراد الذى تقول المؤلفة إنه من الذين استطاعوا تحويل المنتج الثقافى إلى سلعة وله جمهور كبير من الشباب ولكن النقد يتجاهله والرواية حققت نجاحاً كبيراً وتقدم لها الكاتبة نقداً جيداً.

الكتاب به نقد للروايات والمسرحيات والأفلام التى تناولت ثورة 1919. وهو أيضاً كتاب أكاديمى المراجع فيه مكتوبة بدقة ولكنها ممتعة فى قراءتها لأن المؤلفة تشرح فيها أشياء هامة ومثيرة. أعتقد أنه كتاب هام عن الفن والثورة ويستحق القراءة.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصرى اليوم