عاطف بشاي
يبدو أن عجلة «التنوير» قد بدأت فى الدوران.. فليس هناك أكثر ما يثلج صدور التنويريين- بل صدر الإنسانية الرحب المضاء بنسيم الحرية وإشراقات العدل- بمشروع القانون الذى ناقشه مجلس الوزراء بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بتجريم ختان الإناث.. ذلك المشروع الذى تقدمت به اللجنة الوطنية بمشاركة المجلس القومى للطفولة والأمومة.. وينص القانون على تغليظ عقوبة الحبس على مرتكبى الجريمة والمشاركين فيها والتى لا تقل عن خمس سنوات لكل من أجرى ختاناً بإزالة جزء من أعضاء الأنثى التناسلية أو شوهها أو تسبب لها فى عاهة مستديمة.. أما إذا أفضت الجريمة إلى الموت فتكون العقوبة السجن المشدد إذا أجراها طبيب أو مزاول لمهنة التمريض (15) عاماً مع المنع من مزاولة المهنة والعزل من الوظيفة الحكومية وغلق المنشأة التى تمت فيها العملية..

القانون بذلك يؤكد الحق البديهى والعادل فى تمتع الأنثى بجسد سليم فى مجابهة ذلك العنف البربرى الذى يصيبها من جراء معتقدات بالية وموروثات متخلفة وممارسات شائنة.. تبرر تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة وتكريس ثقافة العنف الذكورى تجاهها..

والقانون- بصبغته الواضحة تلك والذى بموجبه أصبحت العقوبة جنائية وليس مجرد جنحة- ألغى تلك المناورات للالتفاف حول الجريمة وتصويرها- كما جاء على لسان بعض الفضليات من المتشددات- اعتبارها عملية تجميل لا غبار عليها.. وهى مفارقة مدهشة تستحق التأمل والدراسة بواسطة أساتذة على النفس وعلم الاجتماع المهتمين ببحث التغيرات الجذرية التى حدثت فى سلوك المصريين فى الحقبة الأخيرة.. ذلك السلوك المرضى الذى يبرر المجزرة ضد المرأة من قبل المرأة نفسها.

ومن هنا فإن مناقشة حقوق المرأة ينبغى أن تتم فى إطار الحقوق الإنسانية الشاملة بصرف النظر عن الفروق التى افترضت سيادة الرجل.. ووصايته على المرأة بصفتها مخلوقاً غريزياً لابد من كبح جماح رغباتها الجنسية انتصاراً للفضيلة التى تئن من انفلاتها الأخلاقى كمصدر للغواية.. ومنبعاً للرذيلة.. وبالتالى فإن من الضرورى أن يرفع الرجل فى وجهها أسلحة التحريم والتجريم والمنع والمصادرة بصفتها عنواناً للفسق والفاحشة.. ومن هنا فإن عملية الختان واجبة وحتمية للحد من طغيان الغريزة على سلوكها الإنسانى..

ومن هنا فإنه إذا كانت قضايا المرأة فى جوهرها قضايا إنسانية اجتماعية بمعنى أنها لا تنفصل عن قضايا الرجل فهى جزء جوهرى وأصيل فى قضية الوجود الاجتماعى للإنسان فى واقع تاريخى محدد.. فمن غير المعقول ولا المقبول أن تتم حركة المجتمع من خلال هذا البعد الوحيد (البيولوجى) الذى يؤدى بالضرورة إلى نفى المرأة ككائن إنسانى باستبدال الأنثى بها.. وهو ما يتم التعامل من خلاله مع مظاهر العنف ضد المرأة من تحرش وتزويج قاصرات وضرب زوجات وزنى محارم وختان..

يرى فى هذا الشأن المفكر «د. نصر حامد أبوزيد» فى كتابه المهم «دوائر الخوف.. قراءة فى خطاب المرأة» أن علينا أن نكون على وعى دائم بأن تحرر المرأة المتمثل فى ممارستها لحقوقها الطبيعية والإنسانية لا يفارق تحرر الرجل المتمثل فى قدرته على ممارسة حقه الطبيعى على المستويات والأصعدة المختلفة كافة وعلينا فى هذه الحالة أن نكون على يقين دائم أن هذا التحرر الإنسانى مرهون بسياق تحرر اجتماعى وفكرى عام فى مرحلة تاريخية محددة وذلك حين تكون حركة المجتمع حركة صاعدة فى اتجاه التقدم والرقى والتطور حيث تتفتح كل مقومات الوجود الاجتماعى بهواء الحرية النقى.. وتمتلئ الرئتين- المرأة والرجل- بمناخ التحضر المشبع بقيم الحق والعدل والمساواة والتى يعد التطور الثقافى والفكرى بعداً من أبعادها المهمة.

Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم