أمينة خيري
هل لو قلنا إننا فى حاجة إلى ترشيد بناء دور العبادة، والتوسع أكثر فى بناء الحدائق العامة والمستشفيات والساحات الرياضية والمدارس، ومضمارات الدراجات الهوائية والأماكن المخصصة للمشى والمسارح- سيتهموننا بالكفر؟. وهل لو طالب أحدهم بأن تقتصر الدراسة فى الكليات التابعة للمؤسسات الدينية على العلوم الدينية، مع دمج مادة الأخلاق، والتوقف عن تدريس العلوم غير الدينية من طب وترجمة فيها، سيكون بذلك على قوائم الموعودين بنار جهنم؟. وهل لو نوه أحدهم بأن القنوات التلفزيونية المخصصة على مدار ساعات اليوم الـ24 لجمع تبرعات المؤمنين لبناء عشرة مساجد فى القرية الفلانية الواقعة تحت خط الفقر، أو لإنهاء صب السقف فى المسجد الفلانى فى القرية العلانية لأن أهلها لا يملكون قوت يومهم لإكمال عملية الصب، وغيرها من أنواع الضحك على الذقون بالذقون، ما هى إلا عمليات نصب واحتيال دون أدنى شك، سيصنف باعتباره كارهًا للدين ومعاديًا للمتدينين؟.

تقول لأحدهم: مش كان أولى نبنى نادى رياضى وثقافى يمارس فيه الشباب الرياضة، ويتلقون قدرًا من الثقافة سواء كانت أدبًا أو رسمًا أو اكتشاف مواهب وسماع موسيقى تنظف الآذان وتسمو بالروح، وحين يحين موعد الصلاة يصلون ويشكرون على الله على نعمة العقل والعلم والفن؟، فيرد عليك بكل ثقة: يعنى نبنى مساخر فن ودعارة ولا نبنى مساجد؟!. وقبل أشهر قليلة أخبرنا وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة أن «مصر أصبحت- ولله الحمد- بلد المائة ألف مئذنة وليس بلد الألف مئذنة، وبالتالى لا يمكن لأحد أن يشكك فى إيمان مصر وتدينها». وللعلم فإن جهود وزير الأوقاف فى محاولات تطهير الخطاب الدينى واضحة، وكذلك مقاومتها. ملف المساجد فيه شقان: الأول هو تعلق أبناء ومريدى وأتباع جماعة الإخوان بأى قشة قد تؤدى إلى استعادة الشعبية، وبالتالى وكعادتهم فهم يخبرون أتباعهم المغيبين ممن محوا عقولهم بأن الدولة تهدم المساجد وتحارب الدين وتقضى على المتدينين.

وهنا يبرز الشق الثانى ألا وهو مفهوم الدين الجديد لدى الكثيرين، حيث كلما زاد عدد المساجد تأكد الإيمان وثبت، وطالما صلى أحدهم فهو حتمًا مؤمن ومتدين، وكلما زادت أعداد مكبرات الصوت تغلغلت حلاوة الإيمان أكثر فى قلوب الملايين، وكلما تداخلت رنات الهواتف المحمولة بأصوات الأدعية والآذان ارتعب الكافرون وارتعد أعداء الدين. نظرة موضوعية على مصرنا العزيزة تشير إلى أن عدد المساجد زاد زيادة كبيرة ولله الحمد. مليارات تم إنفاقها على البناء والترميم ناهيك عن بناء الجديد والكبير فى كل مكان. وهذا إنجاز عظيم. لكن الإنجاز لن يكتمل إلا باكتمال المواطن. فلا يعقل أن يكون لدينا هذا العدد العظيم من دور العبادة، ورغم ذلك نئن من وطأة التحرش والتنمر وقلة الضمير والنظافة واحترام حقوق الغير. حتى لو أصبح لدينا مسجد لكل مواطن نحتاج لما هو أكثر من ذلك.
نقلا عن المصرى اليوم