سليمان  شفيق
بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتبار الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاصها القضائي ما يمهد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها عام 2014، يُطرح سؤال أساسي حول ما إذا كانت تداعياته رمزية فقط لصالح الفلسطينيين أو أنه سيكون له تأثير فعلي بحق مسؤولين من الدولة العبرية. لكن خبراء قانونيين يعتبرون أن التأثيرات العملية ستكون حقيقية هذه المرة

بذلك تكون السلطات الفلسطينية حققت انتصارا دبلوماسيا، ولو بطريقة غير مباشرة، مع إعلان المحكمة الجنائية الدولية أن الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها، خصوصا من خلال تسمية "المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وهي غزة، الضفة الغربية، والقدس الشرقية".
 
وعلى الرغم من اعتراف المحكمة الجنائية أن "قرارها غير مستند إلى خلاف حدودي وفقا للقانون الدولي، ولا يعطي تصورا مسبقا لترسيم حدودي في المستقبل"، إلا أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد  شتية رحب فورا، خلال مقابلة حصرية مع فرانس24، بهذا القرار .

هذا القرار يعطي الضوء الأخضر للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة التي كانت قد أعلنت في العام 2019 أنها تريد فتح تحقيق بشأن "جرائم حرب" يحتمل ارتكابها على الأراضي الفلسطينية عام 2014. وقد أتى قرار المحكمة الجنائية حول وضع الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاصها بناء على مطلب بنسودة.

ووفقا لمراسلة فرانس24 في لاهاي ستيفاني موباس، "بإمكان بنسودة الآن فتح تحقيق تطالب به السلطات الفلسطينية، التي انضمت في العام 2015 إلى المحكمة الجنائية الدولية ما خولها دعوة المدعي العام إلى التحقيق في جرائم ارتكبت على أراضيها".

تجدر الإشارة إلى حصول تحقيق أولي عام 2015 بعد ادعاءات بحصول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على خلفية العملية التي أطلق عليها تسمية "الجرف الصامد" في غزة. هذه الحرب أودت بحياة 2200 فلسطيني، منهم 1500 مدني وفقا لحصيلة الأمم المتحدة، وأسفرت عن سقوط 73 قتيلا في الجانب الإسرائيلي، بينهم 67 جنديا.

إلى ذلك، ألمحت المدعية العامة إلى أنه بالإمكان القيام بتحقيقات حول استخدام الوسائل التي استخدمتها قوات إسرائيلية لقمع المظاهرات في قطاع غزة عام 2018 والتي عرفت بـ"مسيرات العودة". كما لفتت بنسودة إلى أن إمكانية التحقيق بالسياسات الاستيطانية الإسرائيلية، معتبرة أن "عناصر من السلطات الإسرائيلية ارتكبت جرائم حرب"، خصوصا من خلال مقل مدنيين إسرائيليين للاستيطان في الضفة الغربية.

من جهة أخرى، يأمل الفلسطينيون أن يسرع هذا القرار الإجراءات القضائية بحق السلطات الإسرائيلية. وفي هذا الإطار، وقال اشتية: "ننتظر المرحلة المقبلة، وسندع للمحكمة مسؤولية تحديد المسؤولين الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني"، مؤكدا أن هذا القرار ستكون له تداعيات على بعض الأشخاص".

"إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن ذلك لا يغير شيئا ما دامت المحكمة تلاحق الأشخاص وليس الدول"، هذا ما صرحه المحامي المختص بالقانون الدولي بسام طبلية لفرانس24، كما أوضح طبلية أنه "إضافة إلى رمزيته بالنسبة للفلسطينيين، سيكون له تأثير فعلي يؤدي إلى ملاحقة مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، خصوصا أثناء تنقلهم خارج إسرائيل.

نظريا، إذا صدر قرار بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، يجب على الدول الموقعين على اتفاق روما لإنشاء المحكمة الدولية أن يسلموا هؤلاء الأشخاص إذا ما تواجدوا على أراضيهم، وذلك بالرغم من عدم اعتراف تل أبيب بهذه المحكمة.

يذكر أن صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية مختصة بملاحقة الأشخاص المتهمين بارتكاب إبادات أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ارتكبت بعد 1 يوليو 2002، تاريخ دخول معاهدة تأسيسها حيز التنفيذ.

وهنا يذكر طبلية كيف ألغت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني زيارة كانت مقررة إلى لندن عام 2009 بعد تبليغها بمذكرة توقيف أصدرها بحقها القضاء البريطاني استنادا لشكوى مقدمة بحقها على خلفية عملية عسكرية ضد قطاع غزة عام 2008
من جهته، تمنى وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي في حوار مع فرانس24 أن "تتم محاسبة وسجن المسؤولين الإسرائيليين، وليس فقط تعقيد إجراءات سفرهم، وذلك لوضع حد للإفلات من العقاب".

نتانياهو يصف قرار المحكمة بأنه "معاداة صريحة للسامية":
من الجانب الإسرائيلي، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو السبت قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه "معاداة صريحة للسامية". وتواصل تل أبيب رفض اعتبار الأراضي الفلسطينية ضمن صلاحيات المحكمة الدولية.

لكن نتانياهو قلق على عسكرييه من ملاحقات المحكمة الدولية، هذا ما أفادت به مراسلة فرانس24 في إسرائيل ليلى عوده. كما أن القلق يشمل مسؤولين سياسيين لأن القرارات العسكرية لا تصدر من دون ضوء أخضر سياسي.

في هذا الإطار، ذكرت صحيفة هاآرتس أن السلطات الإسرائيلية تقوم بتجهيز لائحة سرية تضم بين 200 و300 مسؤول سياسي وعسكري يمكن أن تشملهم ملاحقات المحكمة الجنائية. ومن بين هؤلاء بنيامين نتانياهو، ووزراء سابقين مثل موشيه يعالون وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت. كما أن اسم بيني غانتس الخصم السياسي الأبرز لنتانياهو وارد على هذه القائمة.