إعداد /ماجد كامل
يعتبر كتاب "حوار حول النظامين الرئيسين للكون" لعالم الفيزياء الإيطالي الشهير "جاليليو جاليلي " ( 1564 -1642 )  واحدا من أهم الكتب في تاريخ العلوم بصفة عامة ؛وتاريخ الفلك بصفة خاصة .  وهو يتناول نظرية  دوران الأرض حول الشمس وهو ما يعرف في لغة علم الفلك بـ Heliocentric" " أو مركزية الشمس " في مقابل نظرية بطليموس القديمة حول مركزية الأرض Geocentric"  "؛ ,,ورغم أن الكتاب في الأساس كتاب علمي ؛ إلا أن جاليليو كتبه  في أسلوب روائي سهل وجميل ؛ كما حرص علي كتابته باللغة الإيطالية العامية حتي يستطيع أن يقرأه كل مثقف ؛ ولقد تخيل جاليليو في هذا الكتاب وقائع مؤتمر علمي حضره ثلاث رجال ولمدة أربعة أيام متتالية في أحد القصور وأخذوا يتحاورون حول نظريات  أرسطو  الفلكية وبيان ما فيها من خطأ ؛ ويظهر عمق فكر جاليليو في هذا الكتاب ملخصا في هذه العبارة " أن الله قد سمح لنا بالبحث في الكون كله الا أنه أخفي عنا إلي الأبد النفاذ الفعلي إلي عمل يديه . ربما حتي لا تضمر وتموت وظيفة العقل البشري كله " وكان لجاليليو هدفان رئيسيان من كتابه هذا ؛ الهدف الأول هو نشر نظريات الفلك الحديث بين المثقفين حتي يتخلوا عن الخرافات  القديمة التي ورثوها عن العصور الوسطي ؛ الهدف الثاني هو تحذير الكنيسة من خطورة الجمود والإستمرار في تبني النظريات الخاطئة ومعارضة العلم الحديث ؛ ولقد نجح جاليليو جدا في تحقيق هدفه الأول .


 أما هدفه الثاني فقد جاء  بنتيجة عكسية .  فلقد حكمت الكنيسة الكاثولوكية علي جاليليو بمنع ومصادرة الكتاب وتقديم صاحبها إلي المحاكمة ؛ رغم أنه كتب رسالة إلي أحد أصدقائه يذكره فيها بعبارة شهيرة للقديس أوغسطينوس ( 354 – 430 م ) قال فيها " لم يوضع الكتاب المقدس ليلقننا علم الفلك . ما يريده الروح القدس ليس أن يبين لنا كيف تسير السموات ؛ بل كيف نذهب إلي السماء " .

 وتحت الضغط والأرهاب الشديد الذي تعرض له جاليليلو ؛ أضطر إلي التراجع عن نظريته إذ وضع يده علي الأنجيل وقال " أني أقسم ويداي علي  الأنجيل أن أنبذ نظرياتي الهرطوقية ؛ وأني أعترف أن هذا الرأي  نتج عن طموح كاذب وجهل ؛ وأني أعلن الأن وأقسم أمام المحكمة أن الأرض لا تدور حول الشمس " وتقول الروايات التاريخية انه وهو خارج من المحاكمة وعندما لمح أصدقائه نظر اليهم وقال في سخرية ومرارة " ورغم  ذلك فهي تدور " وبالرغم من تراجع جاليليو لم تتراجع الكنيسة الكاثولوكية عن معاقبته وانما قامت بتخفيف الحكم من السجن الي منع ومصادرة الكتاب مع تحديد إقامة جاليليو في أحد  البيوت بإيطاليا  وكان ذلك في 22 يونيو 1633  وظل جاليليو محددا إقامته في هذا البيت حتي توفي في 8 يناير 1642 أي 9 سنوات كاملة ؛ كذلك لم ترفع الكنيسة غضبها عليه حتي بعد موته إلا بعد مرور حوالي  95 عاما علي وفاته إذ سمحت في عام 1737 بإقامة مقبرة تذكارية له ؛ أما الكتاب فقد ظل تحت المنع والمصادرة حتي أفرج عنه في عام 1757 .وفي عام 1939 قام البابا بيوس الثاني عشر( 1939- 1958 ) بابا الكنيسة الكاثولوكية رقم ( 259 )  بوصف جاليلو أنه "أكثر أبطال البحوث شجاعة ..... لم يخش من العقبات والمخاطر ولا حتي من الموت " .

وأخيرا وفي عام 1992. وتحديدا في 31 أكتوبر 1992  وبعد مرور حوالي 350 سنة  علي وفاة جاليليو قامت الكنيسة الكاثولوكية بتقديم وثيقة إعتذار ومصالحة لروح العالم  الكبير وكان ذلك في عهد البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان الراحل( 1978 – 2005  )   ؛ وذلك بناء  علي تقرير مقدم من الهيئة العلمية يفيد بصحة نظريات جاليلو ؛وفي 2 نوفمبر من نفس العام ؛قرر الفاتيكان عمل تمثال  له . وفي عام مارس 2008 ؛ أشاد البابا بندكتوس السادس عشر بمساهمات جاليلو في علم الفلك أثناء احتفالات الذكري ال400 لأول تلسكوب لجاليلو .