بقلم /ماجد كامل      

وسوف تتناول في هذا المقال قيمة المحبة ؛فهي درة القيم وتاج الفضائل ؛ولقد لخص الكتاب المقدس أهمية المحبة في آية بسيطة وجميلة هي "الله محبة "" 1 يو 4  :8 " وعندما سئل السيد المسيح له المجد عن أعظم واهم الوصايا أجاب "تحب الرب ألهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن قدرتك ؛والثانية هي تحب قريبك كنفسك"  ( "مت 22 : 37 – 40 " )؛" (مر12 :30 - 33 )" (؛لو  10 :27 ؛28 " )كما جاءت وصيته في الإنجيل (هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم ) "يو15 :12 "بل ذهب السيد المسيح إلي ابعد من ذلك عندما قال "أحبوا أعدائكم ؛باركوا لاعنيكم ؛وصلوا لأجل الذين يسيئون أليكم ويضطهدونكم ) "مت 5 :43 "ومن رسائل معلمنا القديس بولس الرسول نجد إصحاح المحبة الشهير الذي تحول إلي أنشودة وترنيمة خالدة ترددها الأجيال جيلا بعد جيل والتي تبدأ بــ( المحبة تتأني وترفق ... الخ ) 1كو 13 " . كما قال عنها الفلاسفة ("المحبة هي اثمن شيء في الوجود وهي القيمة التي تخلع علي سائر القيم كل ما لها من قيمة )" غير أن هناك أنواع أخري ن المحبة يمكن أن نسميها "المحبة الخاطئة "أو "المحبة المريضة" والتي تسيء إلي
 
المفهوم السامي الراقي للمحبة المسيحية نذكر منها :-
1-الأنانية أو محبة الذات :-
أو ما يطلق عليه في علم النفس بـ"النرجسية " وذلك نسبة إلي شخص يدعي"نارسيس" أعجب بجمال وجهه إلي الحد الذي أخذ يتفرس فيه في مياه النهر إلي أن سقط في الماء وغرق . ولذلك وصف الإنسان الأناني المحب لذاته انه يتطلع في مرآة لا يري فيها ألا نفسه
 
Epos2 – الشهوة 
وهي النوع الثاني من المحبة الخاطئة التي تسيء إلي  المحبة الحقيقية والتي قال عنها القديس يعقوب الرسول (الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتا ) "يع 1 :15 " وأروع مثال يشرح هذا النوع من الشهوة هي قصة "امنون " مع "ثامار " إذ قال الكتاب عن امنون بعد أن اخذ شهوته منها (ثم ابغضها امنون بغضة شديدة حتى أن البغضة التي ابغضها إياها كانت اشد من المحبة التي أحبها إياها ) "2 صم 13 :15 ".  وفي كتاب هام وشهير للأستاذ الدكتور زكريا إبراهيم بعنوان "مشكلة الحب"  يشرح فيه الفرق بين ما اسماه محبة الاغابي ومحبة الايروس  ويمكن تلخيص  هذه الفروق في النقاط التالية :-
1-محبة "الاغابي" تقوم علي التبادل والمشاركة بينما محبة "الايروس تقوم علي العشق الذاتي والاندفاع المستمر 
2- محبة الايروس تنشد اللذة وتقوم علي التهور بينما محبة الاغابي تقوم علي الإيثار وتستند إلي التعقل مع الوفاء المتبادل 
3-محبة الاغابي تتجه نحو الآخر لكي تعمل علي خدمته وتسهم في تحقيق سعادته بينما محبة  الايروس تقوم علي التمركز حول الذات  
4- محبة الايروس رغبة وشوق واشتهاء بينما محبة الاغابي بذل وعطاء وتضحية بالذات 
5- محبة الاغابي غير مسببة "بمعني أنها خالية من أي سبب أو غرض وخالصة لوجه الله" بينما محبة الايروس تكون من اجل المنفعة والاستغلال 
6- محبة الاغابي تهتم أن تعطي أكثر مما تأخذ بينما محبة الايروس تهتم أن تأخذ أكثر مما تعطي  ويذكر الأستاذ الدكتور زكريا إبراهيم  في نفس الكتاب أن المسيحية أرادت أن تقدم مفهوما جديدا للحب يختلف اختلافا جذريا عن مفهوم الايروس عند اليونان بما فيه من أنانية ورغبة جامحة وميل نحو التملك ؛ ويضيف الدكتور إبراهيم أيضا أن مفهوم "الاغابي" في المسيحية لا يعني الاقتصار علي محبة الله فقط بل يمتد أيضا إلي محبة أخواتنا  وهذا هو ما عبر عنه القديس يوحنا الرسول بقوله (إن قال احد أني أحب الله وابغض أخاه فهو كاذب . لان من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره ) "1 يو4 :20 " فالله يريد منا أن  نكون من إخواننا في الإنسانية بمثابة محبة عاملة تأسو جراحهم وتمسح دموعهم وتأخذ بأيديهم . فهي محبة واثقة دائما من أن خير وسيلة للوصول إلي محبة الله الكاملة هي المشاركة الفعالة في تحقيق خلاص مخلوقات الله" "للمزيد من التفصيل راجع الكتاب المذكور الصفحات من 149 -165 " 
  وأخيرا نختتم هذا المقال بهذه العبارة الجميلة للقديس يوحنا ذهبي الفم والتي يقول فيها (فبالحقيقة الإنسان المحب هو ذاك الذي لا يبحث ألا عن نفع محبوبه . فلو خالف المحب ذلك فانه  حتى ولو صنع عشرات الألوف من الأعمال الصالحة فانه بالأكثر يكون اقسي من أي عدو) 
 
كما نختتمه أيضا بهذه الأبيات الرائعة من ديوان "الرباعيات" للشاعر الكبير الأستاذ "صلاح جاهين" حيث يقول :-
بحر الحياة مليان بغرقي الحياة
صرخت خش الموج في حلقي ملاه
قارب نجاة ! .. صرخت قالوا مفيش
غير بس هو الحب قارب نجاة