خالد منتصر
لقاء بايرن ميونخ والنادى الأهلى لم يكن مجرد لقاء كروى عادى ما بين فريقين، لكنه كان لقاء ما بين ثقافتين أو منهجين أو طريقتى وأسلوبى تفكير، لا أتحدث فقط عن طريقة لعب فريق، ولكنى أتحدث عن الأهم وهو ثقافة الجمهور، ليس جمهور الأهلى فقط، لأننى كنت مثل كل المصريين مهما كان الانتماء، أشجع الأهلى من كل قلبى وأتمنى له الفوز، شاهدت المباراة مع آخرين، كانت التعليقات تطلب البركة والمدد أو كسر قدم لاعب ألمانى أو وفاة حارس المرمى بسكتة قلبية.. إلخ، أو وصف اللاعبين الألمان بصفات خارج نطاق الرياضة واستهجان تصرفاتهم الشخصية، مثل العلاقات النسائية أو أن البيرة مشروب الألمان المفضل.. إلخ من مفردات الحشرية، وأن الله سيخذلهم نتيجة لذلك ويدعمنا ويقف بجانبنا.

كان نصف عقلى مع المباراة التى ظهر فيها منذ أول لحظة فارق اللياقة البدنية والتكتيك والمهارة بيننا وبينهم، وبات مؤكداً فوز البايرن وانحصرت وانحسرت وتقلصت الأمنيات إلى طلب الستر والهزيمة بهدف أو هدفين فقط، ونصف عقلى الآخر يحلل أسباب تأخرنا عن الركب، وكأننا نتفرج على كائنات فضائية، إنه غياب المنهج العلمى فى التفكير، حتى الرياضة يا سادة أصبحت علماً، مهما حمست السباح أو العداء «شد حيلك يا بطل.. كلنا وراك..» إلخ، ومهما قرأ النصوص المقدسة كلها والدعوات والأذكار والأوراد، إن لم يكن معداً بدنياً بالطريقة العلمية السليمة سيخسر حتماً، كذلك لاعب كرة القدم لن يشفع له أن يطلق الجمهور على فريقه فريق الساجدين لكى يكسب فريقاً ثمن لاعبيه بميزانية دولة!، المنهج العلمى بداية من التغذية، طريقة بناء العضلات، الأحمال، مدة التدريب وطريقته، خطط اللعب.. إلخ.

لا يمكن لمنهج تفكير يجعل مدرب منتخب يجمع لاعبيه لقراءة الرقية الشرعية أن ينافس عالمياً، لا يمكن لمتواكل أن يهزم مجتهداً، لا يمكن لمن يضرب حلة محشى على العشا قبل الماتش أن يهزم من يمشى بجدول السعرات الحرارية، بركة دعاء الوالدين تنفع فى حفلات الطهور وكودية الزار، لكنها لا تنفع فى ممارسات رياضة هى أهم بيزنس على كوكب الأرض، طريقة تفكير الرؤوس قبل طريقة مراوغات الأقدام، المذيع المصرى على قناة الكاس القطرية يدعو بالرحمة لضحايا المدرجات المسلمين فقط!!، هذه طريقة تفكير مذيع رياضى يعلن للعالم من خلال شاشة يشاهدها عشرات الملايين عن منهج عنصرى فى التفكير، هذا هو الفرق الثقافى الذى أتحدث عنه، والذى كنا نحن فجر الضمير والسباقين فيه، لكن جرت فى النهر مياه كثيرة، وتراكمت طبقات جيولوجية وافدة من ثقافات غريبة على النسيج المصرى جعلت من قيمة العمل والجهد قيمة متدنية فى قاع الاهتمامات، وجعلت من التواكل والفهلوة دليل هداية ودستور حياة، وكما قال «نزار»:

بالناى والمزمار

لا يحدث انتصار

لا تلعنوا السماء

إذا تخلت عنكم

لا تلعنوا الظروف

فالله لا يؤتى النصر من يشاء

وليس حداداً لديكم.. يصنع السيوف.
نقلا عن الوطن