ســـــرد

 

صـبري البـاجـا

 

الحلقة الثانية

عاش الحمار أزهى عصوره حتى نهاية القرن الثامن عشر، وكان حتى ذلك الوقت أفضل وسائل النقل فضلا عن احتفاظه بمكانته اللائقة تاريخيا على رغم مالاحقه من خزى وعار، حيث ظل اسمه سُبّةيُوصف بها الأغبياء أو الذين يؤدون أعمالا شاقة دون أن يبدوا أية شكوى أوضيق، وعلى عكس السائد عنه يتميز الحمار دون باقى الحيوانات بالذكاء الشديد،ويقول الفرنسيون إنه من أطيب الحيوانات.

 

وفى مصر خصصت للحمير أسواق،كان من أشهرها وأقدمها السوق الأسبوعى فى منطقة “بشتيل” فى ضواحى محافظة الجيزة،.

 

وكان يبدو سوق “بشتيل”فريدا بين أسواق تعج بها مصر، فمن بُعد عشرات الأمتار عنه تستطيع أن تميزه بسهولة من سحابات الغبار التى ترتفع فى سمائه جراء حركة الحمير بأنواعهاالمختلفة والتى يصل عددها فى بعض الأحيان إلى 800 حمار، وفى سوق “بشتيل”وعلى غرار أسواق السيارات المستخدمة حيث يتعين عليك أولا أن تدور بهاعدة دورات أو تسير بها للأمام أو للخلف يبدو المشهد مألوفا عندما يمتطى أحد رواد السوق ظهر حمار ويسير به عدة أمتار أو يدور به دورة كاملة فى السوق ليتأكد من حالته وقوة بنيانه.

 

وكان يحفل سوق “بشتيل“بالكثير من السرادقات البدائية البسيطة و منها ما يبيع كل ما يلزم لتزيين الحمير بداية من السرج أو الورود الصناعية التى يفضل البعض تعليقها فى رقبة الحمار لتزيينه فضلا عن الأجراس والحبال.

 

الغش فى سوق الحمير!!

يدفع الطمع والجشع وعدم الأمانة البعض إلى فعل مالا يصدقه بشر مع الحمير فى السوق، بعض هذه التصرفات تؤذى الحمير، فمثلا حينما يصاب الحمار فى عينيه بالعمى أو يكونالحمار أعشى (ضعيف البصر) يذهب البعض لتكحيل هذا الحمار حتى يدارى بياض عينيه أو عيبه بالعشى.

 

ويلجأ بعض الغشاشين إلى صب بعض قطرات البنزين فى أذن الحمير الهادئة كى تظهر نشاطا زائدا وتسرع فى المشى،فالبنزين مادة حارقة وساخنة، وبصبها يزداد نشاط الحمار ولا يمشى ببطء شديد.

 

يروي الصديق الأستاذ الدكتور جودة عبد الخالق استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وزير التموين الأسبق في كتاب( حكاية مصرية )متحدثا عن

 

تاريخ عجيب من الشقاء والمعاناة والحب والعناد والتفوق. شارحا في فصل كامل عن علاقته يـ صديقنا الحمار !!فيفول عن نفسه :

بعد أن صار الطفل غلاما، مارس أنواع العمل الزراعى فى فلاحة أرض الأسرة ، فعرف كيف ينقل «التراب» من الغيط إلى المنزل، ليستخدم فى ردم أرضية الزريبة ويقوم بصرف المجارى من الخزان الخاص بها عندما يمتلئ، ثم ينقل «السباخ» (السماد البلدى) من زريبة المنزل إلى الحقل لتخصيب. عرف كيف يضع الغبيط على ظهر الحمار، وكيف يملؤه (يُحمله) بالتراب أو السباخ، وكيف يقود الحمار فى رحلته من الحقل إلى المنزل أو العكس. أتاح له ذلك أن يراقب الحمار ويتعامل معه عن قرب. فاكتشف أنه مخلوق ذكى وليس حيوانا غبيا، كما يشاع عنه، فهو يعرف طريقه دائما، وقد تعلم الغلام من الحمار كيف يعرف طريقه جيدا، وألا يسمح للشواغل بتشتيت انتباهه وتحويل مساره، فهو يعتبر نفسه دائما فى مهمة، يسعى لإنجازها بكل تفان وإخلاص. كما اكتشف الغلام من تجربته فى تلك المرحلة أن الحمار ليس متبلد الإحساس كما يروى عنه. إن لديه اعتزازًا بالنفس وكرامة، مما يدفعه أحيانًا إلى التمرد والثورة على صاحبه إذا أحس أنه يهينه. وأدرك العلامات التى تنبئ بأن الحمار على وشك أن يتمرد على صاحبه فيوسعه ركلا بكلتا رجليه أو يعضه بأسنانه، وهو قد يسبب لصاحبه إصابات بالغة، وقد يفضى به إلى الموت. وهناك علامات أو مؤشرات على الحالة المزاجية للحمار، فعندما يكون الحمار فى حالة صفاء وسلام مع صاحبه يسير وأذنيه متدليتين إلى جانبيه وذيله فى وضع عمودى على الأرض، وعندما يكون الحمار فى حالة غضب ويكون على وشك التمرد على صاحبه، تجد أذنيه أخذتا وضعا رأسيا فيما يشبه الهوائى (إلايريال) للإرسال والاستقبال، وتجد ذيله أخذ زاوية 45 درجة مع جسمه. فإذا رأيت حمارا على هذا النحو، فتأكد أنه قد ينقلب على صاحبه فى أى لحظة!

 

وفضلا عن اليقظة الدائمة، تعلم الغلام أيضًا من الحمار معنى الصبر واحتمال المشاق.

 

ونلتقي في الحلقة القادمة