د.ماجد عزت إسرائيل

 
  في عام 1760 م كتب إيرل كلاريندون إدوارد عبارته الشهيرة عن الضمير قائلاً:"من الصعب تصديق أن أسوأ الرجال قد يرتكبون أسوأ الأفعال دون أي إحساس أو ندم داخلي، وهو صوت ضمائرهم؛ لكن من السهل الاعتقاد بأنهم يُخمدون هذا الصوت ويتخلصون منه، وأنهم باعتياد ارتكاب الإثم قد يصيبهم الصمم بحيث لا يتمكنون من سماع هذا الصوت الضعيف. وورد في الحكم والأمثال هذا المثل القائل:" الضمير هو صوت الحق". وأيضًا قد يسمع الإنسان صوت ضميره حتى ولو نجى من العقاب القانوني فعبر هذا المثل قائلاً:"قد ينجو الشرير من عقاب القانون،ولكنه لا ينجو من عقاب الضمير".ويعد القديس أغسطين (354-430م) الشهير في المسيحية بــــ "ابن الدموع" نموذجًا لصوت الضمير حيث تحتاج شخصيته الناضجة إلى صوت ناطق كي ينقل انفعاله الغاضب ونفاد صبره وحميميته وإلحاح رغباته الإصلاحية، وهكذا فقد استفاد الضمير مرارًا وتكرارًا من صوته وتعبيره على مدار مسيرته الطويلة المقنعة المؤثرة.وقد كتب لنا هذا القديس العديد من المؤلفات بلغت حوالي(232 كتابًا)، نذكر منها "اعترافاته" و"الاستدراكات"، و"الرد على الأكاديميين" و"الحياة السعيدة"، و"خلود النفس"، و"في الموسيقى". كما كُتب في النسكيات والأخلاقيات.
 
    على أية حال، الضمير هو صوت خلقه الله في الإنسان يستطيع به التميز بين الخطأ والصواب. فالضمير هو شيء فطري وعام في كل البشر، ولكن مشكلة الضمير أنه قابل للإنحراف لذلك يوصينا الله كمؤمنين أنه يجب أن يكون لنا ضمير صالح حيث ورد في الكتاب المقدس قائلاً: "وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، الَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ، انْكَسَرَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ أَيْضًا،" (1 تي 1: 19). وأيضًا "لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ." (أع 24: 16). وكذلك "وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ."(1 بط 3: 16). نؤكد هنا إن رسالة الضمير موجهة نحو الإرادة؛ فإذا أطاعت الإرادة، سينمو الضمير وينضج، أما إذا قاومت الإرادة فسيضعف الضمير، ولذلك يجب علينا الصلاة والله لايتركنا بل يمنحنا روح الفهم والنقاوة "افْهَمْ مَا أَقُولُ. فَلْيُعْطِكَ الرَّبُّ فَهْمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ." (2 تي 2: 7)، وأيضَا "وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ." (إش 11: 2). وهنا احذر من موقف الكتبة الذين كان لديهم ضمير حساس في الأمور التافهة، ولكنهم تغاضوا عن الأمور المهمة في الناموس، "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ." (مت 23: 23). إن الضمير هو شيء حيّ، وخاضع للنمو والنضج.
 
   كما أن الضمير يتكلَّم، ليس فقط عمَّا هو صالح، أو يكشف ما هو شرير نظرياً، ولكنه أيضاً يحث الإنسان على عمل الصالحات وتجنُّب الشر. والأعمال الصالحة يتبعها شعورٌ بالاطمئنان والسرور، في حين أن الأعمال الشريرة ينتج عنها الشعور بالخزي والخوف وانعدام السلام الروحي. وفي كل ذلك يكشف الضمير فينا عن درايتنا بالإرادة الحُرَّة والمسئولية. فالمثل يقول" الرجل الحق هو الذي يرفض الاستماع لأي صوت غير صوت ضميره".
 
    والكتاب المقدس يدعونا أن نحفظ نقاوتنا الأخلاقية بقوله: « "فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ." (أم 4: 23) ». وأيَضًا "وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ." (1 تي 3: 9) والميزة العظيمة التي يُقدِّمها الإيمان المسيحي، هي أنه يفتح للإنسان طريقاً ويُعطي الوسيلة لتنقية الضمير بالكامل. هذه الوسيلة هي التوبة والرغبة الجدِّية لتغيير الحياة إلى الأفضل. إن الله يغفر لنا بسبب دم ذبيحة ابنه الوحيد على الصليب: "فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!" (عب 9: 14).  
 
  ولكي نحافظ على ضمائرنا صالحة يجب أن نسمع ونعمل بكلمة الله "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ." (عب 4: 12). كما أن أصحاب الضمير أو القلب الصالح يُعَايِنُونَ اللهَ  "طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ." (مت 5: 8). للحديث بقية!!