ماجد سوس
  من منا لم ينشأ على تلك النغمات الروحية الجميلة التي تسلمتها كنيستنا القبطية من آباءها الذين تسلموها من أجدادهم هكذا من جيل إلى جيل احتفظت الكنيسة بتراثها الموسيقى المؤثر في النفس والمشبع للروح . على أننا يجب أن ننظر إلى الأمر بتجرد من أي تعصب طائفي أو انحياز يخرجنا من دائرة عمل روح الله كقائد للكنيسة وملهمها ويرجعنا إلى ظاهرة التهود التي عانت منها الكنيسة في بداية نشأتها حينما تصور اليهود المتنصرين أنهم أفضل حالً من الأمم المتنصرين مطالبين إياهم أن يتمسكوا بعادات الأرضية خلقت لأجل الإنسان ولم يخلق الإنسان لأجلها .
 
  دعونا نتفق على عدة ثوابت جلية أولها، أن لغتنا القبطية هي لغة قومية أجدادنا المصريين القدماء، واللغة اليونانية هي لغة قومية آباءنا المكتسبة التي كتبوا بها الإنجيل وكتبوا بها أقوال الآباء، كما أن اللغة العربية هي لغة قومية آباءنا المعاصرين المكتسبة والتي علّم بها آباءنا القديسين من أكثر من ألف وستمائة عام من البابا بنيامين الثامن والثلاثين مرورا بالبابا شنودة الثالث الثي حصل على جائزة عالمية في الوعظ بالعربية وحتى البابا تواضروس أطال الله عمره، ثم نضيف لغات أجنبية كثيرة يرتبط بها أبناءنا في المهجر.
 
ثانيا، أن تطور اللغة واللحن أمراً ملموساً في الكنيسة قادها الروح القدس فيه واضعة أمام عينيها خلاص أولادها أولاً وأخيراً لذا قد أخذت في البداية ألحانها من المعابد الفرعونية ووضعت عليها كلمات إنجيلية وكنسية ثم بعد الاحتلال اليونانية وانتشار اللغة اليونانية أخذت ألحان يونانية ووضعتها في الكنيسة بل حتى اللغة، قد أضافت مردات للشماس يقولها باللغة اليونانية حتى أنك نجد في كتاب الخولاجي أن صلوات الكاهن تقال بالقبطية فيفسرها الشماس باليونانية ثم أدخلت على القداس اللغة العربية حتى يفهم الشعب ما يصلي به ثم توجهت في المهجر إلى ترجمة القداس باللغات الأجنبية حسب الدولة الني يعيش فيها المصريين حتى وافق البابا شنودة الثالث على إنشاء كنائس في الولايات المتحدة لا يقال فيها ولا كلمة واحدة باللغة القبطية خصصت للأمريكان ولأولادنا الذين ولدوا في المهجر.
 
ثالثاً، إن اللغة مهما كان واضعها وقائلها لا ترتبط بالأديان أو بعمل الروح فلا يصح لاهوتيا أن تقول ان اللغة أو اللحن القبطي طريق للسماء فهذا تزيُّد لامعنى له فالسيد المسيح تكلم بالآرامية فبالأولى على إخوتنا السريان الذين يصلون بها يدعون أنها لغة طريق الملكوت الوحيدة لأن الرب بنفسه تحدث بها بل وربما مرقس الرسول مؤسس كنيستنا كان يتكلم بها أيضاً، ومن حق الكنيسة اليونانية أن تقول أن لغتها هي طريق السماء فقد كتب بها العهد الجديد أو أن نتعلم العبرية لأن الوصايا العشر كتبتها أصبع الله بها. اللغة أحبائي هي لغة قومية أرضية لا شأن لها بالسماء أو عمل الروح أو خلاص الإنسان. وإن أردنا أن نعلمها لأولادنا ونهتم بها كما يطالب البعض ،وأنا منهم ،فعلينا أن نعلن بكل وضوح أنها لغة قومية لا أكثر ولا أقل وأنها بكل أسف لم تعد لغة حية وأن نفر قليل يتحدثون بها في صعيد مصر وعلى رأسهم نيافة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى الذي قالها يوماً يا أحبائي هي لغة جميلة لكنها ليست لغة السماء . السماء يا إخوتي تسمع لغة القلوب لا لغة الشفاه.
 
رابعا، علينا أن نعرف ماذا قال لنا معلمنا بولس الرسول في هذا الشأن، فقد وجد أن كثيرين من الكورنثوسيين يصلوا فب الكنيسة بألسنة غير مفهومة فكتب لهم :"هكذا أنتم أيضا إن لم تعطوا باللسان كلاما يفهم، فكيف يعرف ما تكلم به؟ فإنكم تكونون تتكلمون في الهواء! ربما تكون أنواع لغات هذا عددها في العالم، وليس شيء منها بلا معنى. فإن كنت لا أعرف قوة اللغة أكون عند المتكلم أعجميا، والمتكلم أعجميا عندي. هكذا أنتم أيضا، إذ إنكم غيورون للمواهب الروحية، اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا. في كنيسة، أريد أن أتكلم خمس كلمات بذهني لكي أعلم آخرين أيضا، أكثر من عشرة آلاف كلمة بلسان.
 
أخيراً يا إخوتي هي ليست دعوة للإلغاء لحن أو إضافة لحن ، أو دعوة لتغير لغة أو إضافة أخرى وإنما دعوة للنظر لخلاص انسان ، في إن كنت تصلي لأشخاص لايفهمون سوى العربية ، الإنجليزية، الفرنسية ، الألمانية وغيرهم فصلي بهم حتى يفهم الشعب وحين تسأله الكنيسة أين قلبك فيقول قلبي عند الله لأنه يشعر بكل كلمة . نعم الألحان جميلة وربما وضعت من مئات السنين حين كان رتم الحياة بطيئاً جدا مع ذلك نحبها ونستمتع بها ولكن من أجل بعض أولادنا فعلينا أيضاً نضع لهم المدائح والترانيم التي تشبع أرواحهم فلا نترك هذا ولا تلك وعلى الراعي أن يحمل روح التمييز والحرية التي تجعله يقدم كل شخص للمسيح من خلال وجبات دسمية شهية متنوعة من الألحان والتسابيح لأن الرب قريب وسيفحص القلوب لا الشفاه، فحب التسبيح لا يكفي بل في تسبيح الحب كفايتنا.