يعتقد كثيرون بأن وجود الأرمن في سوريا يعود لفترة الإبادة الأرمنية التي نفذتها الإمبراطورية العثمانية بحقهم في عام 1915 فقط، لكن الأرمن استوطنوا سوريا منذ القرن الأول قبل الميلاد، كما أنهم مواطنون منذ الاستقلال الذي أعلن من قبل المؤتمر السوري العام يوم 8 مارس 1920، وتمت خلاله مبايعة فيصل بن الحسين ملكًا وإعلان المملكة السورية العربية بشكل رسمي، أي بعد الإبادة الأرمنية عام 1915 ومجيئ الأرمن إلى سوريا بخمس سنوات.

 
عقب ذلك قسّم الانتداب الفرنسي على سوريا ما يعرف باسم “الولايات السورية العثمانية” إلى ثمانية كيانات، خمسة منها اتحدت مجددًا بشكل تدريجي حتى عام 1936 لتشكل الجمهورية والهوية السورية بالمعنى المتعارف عليه اليوم، والتي تجنس الأرمن مع من كانوا يسكنون فيها آنذاك.
 
وتقول الدكتورة نورا أريسيان، عضو مجلس الشعب السوري، إنه بعد مرحلة الانتصار عاد السوريون الأرمن في سوريا إلى نشاطهم، وتمت إعادة بناء وترميم بعض كنائسهم ومدارسهم بدعم من الدولة، وحاولت الجمعيات الأرمنية إعادة إحياء نفسها وفق القدرات المتوفرة.
 
وذكرت النائبة الأرمنية في حوار مع “360” أن الشعب السوري ومن بينهم الأرمن عانوا من الحرب الإرهابية، التي ضربت البلاد خلال السنوات التسع الماضية، حيث تضررت منازلهم ومدارسهم وكنائسهم، كما أن منهم من لجأ إلى الهجرة، والبعض الآخر توجه إلى أرمينيا، فإلى نص الحوار..
 
هل من أمل في عودة الأرمن الذين هاجروا؟ ما هو مطلبهم للعودة؟
هناك عدد كبير من السوريين الأرمن غادروا سوريا بسبب الإرهاب وتوجهوا إلى أرمينيا، وحاولوا إيجاد فرص عمل أو دراسة هناك، وخلال هذه الفترة الطويلة، استطاع البعض الاستقرار، والبعض الآخر مازال يفكر في إيجاد سبيل للعودة مجددًا، ومازال يفكر فيما يملتك بسوريا.
 
كما أن هناك صعوبات تواجههم بالطبع، أهمها إعادة فتح وتشغيل المعامل والمحلات والمشاغل الحرفية التي تشكل مصدر رزق لهم.
 
سوريا ثاني دولة عربية تعترف بالإبادة الأرمنية بعد لبنان.. ما أسباب هذا الاعتراف؟
سوريا بمثابة شاهد دولي على جرائم العثمانيين، وقامت لجنة الصداقة البرلمانية السورية – الأرمنية في مجلس الشعب السوري، والتي تشرفت برئاستها، برفع طلبها إلى رئاسة مجلس الشعب لإدراج قرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية للموافقة عليه، وبعد طرحه في جلسة في 13 فبراير 2020 تمت المداولة تحت قبة المجلس، وكانت النتيجة الموافقة بالإجماع
ولابد من الإشارة الى أن القرار صادر عن السلطة التشريعية للشعب السوري الذي احتضن عام 1915 مئات الآلاف من الأرمن الناجين من الإبادة الجماعية التي نفذت على يد السلطات في الإمبراطورية العثمانية.
 
وعن توقيت القرار.. هل هناك دلالة ما في هذا الشأن؟
فيما يخص توقيت القرار، ربما كان الأمر في طريقة تقديم الطلب والجهة المعنية بذلك، وأعتقد أن التوقيت لا علاقة له بأهمية القرار، إنما يدل على دعم الدولة السورية والإجماع الشعبي على موضوع إدانة الجريمة بحق الأرمن من قبل السلطة التي تمثل الشعب السوري.
 
وأعتقد أن هذا القرار التاريخي يحمل بعدًا سياسيًا لجهة سلوك تركيا السلبي والإرهابي، وبعدًا اجتماعيًا لجهة العلاقات التي تربط الشعبين السوري والأرمني عبر قرون طويلة.
 
إذا قمنا بمراجعة للعلاقات السورية – التركية.. كيف تنظرين إليها؟
سنجد أن هذه العلاقات عاشت فترة عصيبة جداً، وقرار الاعتراف بإبادة الأرمن أمر بسيط مقارنة بما فعلته تركيا في سوريا، فقد لعبت دوراً سلبياً خلال فترة الحرب من خلال دعمها التنظيمات الإرهابية، ومازالت تنتهج سياسة عدوانية ضد البلاد، والإخونجي التركي ينفذ خطته التي تهدف لتمزيق سوريا ونهب ثرواتها.
 
تركيا كانت تسعى دائمًا لتحقيق أطماعها العثمانية في المنطقة، وتنفيذ أهدافها في سوريا، وعلى رأسها سياسة التتريك من خلال إدراج المناهج التركية والعملة والتغيير الديموغرافي وغيرها من المظاهر العدوانية التوسعية بالمناطق التي تسيطر عليها.
 
هل الاعتراف الدولي بالإبادة الأرمنية سيشكل ضغطًا على تركيا؟
برأيي أن الاعتراف بالإبادة هي ورقة دولية للضغط على تركيا، خاصة تلك الاعترافات التي تصر على أن ما جرى عام 1915 كان جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الأرمني على يد العثمانيين الأتراك.
 
وفي السنوات الماضية توالت اعترافات دول ومنظمات وبرلمانات كثيرة، وشكلت هذه السلسلة من الاعترافات ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا على تركيا لكي تواجه ماضيها الأسود وتاريخها الإجرامي، طالما أنها تنتهج سياسة الإنكار وهي مستمرة بذلك منذ سنوات طويلة.
 
ومن جهة أخرى، يمكن أن تؤثر هذه الاعترافات على الرأي العام الداخلي في تركيا، والضغط على حكامها من أجل التخلي عن سياسة الإنكار والاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية.