بقلم المهندس باسل قس نصرالله مستشار مفتي سورية
لم نصل إلى هويّتنا، لأننا لم نعرف أن "نَتَّفِق" ولا في أية مرّة كانت، بدءاَ من "المُعلقات السبع" وغيرهم يقول "المعلقات العشر"، مروراً ببعض الآراء الفقهية وبعض الفتاوى المزاجية المتضاربة، مروراً باختلافنا "حول كتابة الهمزة"، وإنتهاءً إلى أنظمة المرور لدينا، التي يصل تعدادها الى أكثر من عدد البلدان العربية نفسها.

من المعلوم تماماً أن الإنشغال بالهوية يَدفع نحو التراث، أما الإنشغال بالتقدّم فيَدفع نحو الحداثة، ولا أظن أن المجتمعات في الاقطار العربية هي بحاجة إلى شعورٍ بالهوية أو العاطفة السياسية، بقدر ما هي بحاجة إلى شعورٍ بضرورة الإتحاد أو الإتفاق على الوحدة، وغيرها من الشعائر الإيجابية التي تخدم هدفاً واحداً وهو الإجتماع على هدفٍ واحدٍ كحدٍ أدنى..

لقد أصبح الإطار العام حالياً للعالم، هو عالمٌ سَقطت فيه الحدود الفاصلة التي كانت تؤمّن نوعاً من التجانس في جماعاتٍ بشرية واسعة، وهذا ما يؤدي إلى سقوط ما يسمى بالهوية القومية، مقابل الهوية الحضارية. لأننا نشهد حالياً حركة واسعة تتسع أكثر فأكثر تجعل الشعوب واللغات والأديان تتداخل، وينتج من هذا التداخل الإجتماعي الواسع وضعاً جديداً يُطرح فيه سؤال عن هوية الفئات الإجتماعية في اطار تعددية أدبية ودينية شديدة التنوع وتطرح أيضاً مشكلة تعايش تلك الفئات المختلفة ضمن الوحدة الوطنية التي ما زالت حتى الآن صامدة في تيّار التغيرات الواسعة.

نحن إذن بحاجة إلى معرفة انتماءٍ ضمن الهوية الحضارية، وليس إلى هوية قومية، ستُصبح بعد مدة من الزمن - طالَت أم قَصُرت - نوعاً من الترف الفكري والخصوصية شديدة الصِغر ضمن رحابة الهوية الحضارية.

لا تتّحِدُ أوروبا ضمن مفهومٍ قومي، بل ضمن مفهوم حضاري، والذي يُراجع مسودّة الدستور الأوروبي يرى تماماً أن ما يحدو للتّجمّع في دولة أوروربية، ليس العرق أو اللون أو اللغة وغيرها مما كان ضرورة لازمة للهوية القومية، بل الواقع الحضاري للدولة المنتمية.

أما الاقطار العربية، وبغض النظر أن اللغة واحدة - أو هكذا تعلمّنا في المدارس – والتاريخ المشترك والمقدّسات المشتركة وغيرها من المشتركات، حتى نَصل الى الشعارات المشتركة، أقول أن كل ذلك لم، ولا، ولن، يُجدِ نفعاً.

ن "معظمنا يتذكر حين كانت الوفود الأوروبية المعنية بالتوصل إلى سياساتٍ موحَّدة أو عملة موحدة أو توجهاتٍ مشتركة، تُوقَفُ الساعة وتمضي هذه الوفود أياماً لا تغادر موقع الإجتماع إلى أن تتفق على الأقل على تحديد الصعوبات ومنهجية مقاربة وتذليل هذه الصعوبات".

إن العالم ينتظر من المجموعة العربية – التسمية حسب ما نُحب – الإنماء العلمي والتقني، وليس تحديد جنس الملائكة، والتي نعلم عِلم اليقين، أن هناك في مجتمعاتنا من يختلف في ذكورتها أو أنوثتها، ناهيك عن اختلافنا في كروية الأرض وغيرها الكثير.

عندما ينتظر العالم من المجموعة العربية، التطور العلمي والتقني، فبالمقابل، علينا أن نكيّف أذهاننا وفقاً لمقتضيات هذا الإنماء والحداثة، مع المحافظة على لمسةٍ ناعمةٍ تذكِّر بالهوية الحضارية لهذه المجموعة.

عندما أقول أن الهوية الحضارية، هي ما يجب البحث عنه، فذلك لأن الحضارة هي أعلى تجمّع ثقافي للبشر وأوسع مستوىً، وهي التي تميّز البشر عن الأنواع الاخرى.

لا يجب أن نحزن، إذا نقلتُ لكم أبياتاً للشاعر ميخائيل نعيمة التي تقول:

أخي! من نحنُ؟ لا وطنٌ ولا أهلٌ ولا جارُ

إذا نمنا، إذا قمنا، رِدانا الخزي والعارُ

لقد خمّت بنا الدنيا كما خمّت بموتانا

فهات الرفش واتبعني لِنحفر خندقاً آخر
نواري فيه أحيانا!

اللهم اشهد اني بلغت

"منشورة على موقع قناة الميادين"