محمد أبوقمر

 النصيحة والفتوي ، تكون النصيحة '> النصيحة دائما من شخص يعتبر نفسه صاحب خبرة ويري في منصوحه أنه في حاجة إلي هذه الخبرة ، والمنصوح يكون حرا ياخد بالنصيحة دي أو يهملها ، والمدهش أحيانا هو أن يكون المنصوح أكثر وعيا من صاحب الخبرة ، فلكل خبرة ظروفها وحين تتغير الظروف تصبح الخبرة هذه بلا قيمة ، وعلي الناصح في هذه الحالة أن يوفر نصائحه لنفسه ويترك المنصوح ليصنع حياته وفقا للظروف التي يعايشها كي يكتسب هو الآخر خبرة تفيده وهو في سبيل صياغة مستقبله.

أما الفتوي فهي في حقيقتها ليست نصيحة ولا إرشاد وإنما هي أمر لأنها تحدد ما هو حرام وما هو حلال ، ولأن متلقي الفتوي يخاف من عقاب الآخرة فإنه ليس حرا وليس في مقدوره الاختيار بين أن يأخذ بها أو يهملها.
 
وهكذا فإن النصيحة '> النصيحة ليست ملزمة ، لكن الفتوي بمجرد صدورها تُصبح عنصرا من عناصر العبادة وركنا من أركان الإيمان ، وإذا عرفنا أن دار الإفتاء أصدرت في السنتين الأخيرتين (2019 و 2020 )مليونين وخمسمائة ألف فتوي عدا ما أصدرته الدار في السنوات السابقة وبدون حساب الفتاوي التي أصدرها كثير من دعاة وأئمة السلفية ( محمد حسان والحويني ومحمد حسين يعقوب وغيرهم من أمراء التكفير والتحقير والغزو والجهاد والنكاح ) إذا عرفنا ذلك فلابد لنا أن نتساءل : هل عناصر العبادة بهذه الضخامة فعلا خصوصا وأن الدين يُسر لا عسر فيه كما يحدثنا خطباء المساجد دائما؟؟!!.
 
هذا التضخم المستمر والذي لا يتوقف علي مدار الساعة ويتناول تفاصيل التفاصيل في حياة الناس محددا ما هو حرام فيها وما هو حلال يبدو كما لو كان عملية فرض حصار حديدي علي عقل وضمير الناس ويحرمهم من حرية الاختيار ويجمد فيهم آلية التفكير التي تميز الإنسان علي سائر الكائنات .
 
يقول الله سبحانه وتعالي ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) ، أي أن الإنسان حر ، مسئول عن أفعاله ، وليس في حاجة إلي من يقف علي ناصية روحه ويظل يقول له إفعل كذا ولا تفعل كذا ، هذا حرام وذاك حلال ، هذا يجوز وهذا لا يجوز ، فما هي فرصة الناس للاختيار؟! ، وما هي فرصهم والحال كذلك لتطوير حياتهم؟! ، هذا الحصار الذي يفرضه رجال الدين حول الأفراد يصيبهم بالعجز ، ويشل كل إمكانية لهم للتفكير فيما قد يفيد حياتهم أو يضرها ، ويصبح الإنسان مجرد آلة صماء تدخلها الفتوي من جهة لكي تنتج من الجهة الأخري أفعالا تحددها مشيئة من أفتي ، فالإنسان علي هذه الوضعية بلا مشيئة ، بلا رؤية ، بلا إدراك ، مفتقد لكل صفة تفرق بينه وبين الكائنات التي تتحرك فقط بحثا عن إشباع غرائزها....
 
إن تاريخ الإفتاء في التراث الاسلاميمليء بالعجائب ، والمثير لليأس هو أنك تجد بعض هذه العجائب قد طفت علي السطح فجأة وتم تداولها كما لو كانت عنصرا من عناصر الإيمان والتقوي كفتوي إرضاع الكبير ، أو فتوي نكاح الجهاد وفتاو أخري كثيرة أشد عجبا ، ولك أن تطّلع علي بعض ما أفتي به ابن تيمية لتدرك أسباب كثير من المصائب التي تجتاح الآن حياة المسلمين في البلدان التي يجتاحها الآن الموت والخراب والتدمير والتمزق والفشل.
 
إن أهم ما نتج عن هذا التسلط علي العقل وعن هذا الحصار المفروض علي وعي الإنسان ووجدانه وعن تقييد حريته في الاختيار وإمكانية تشكيل حياته بنفسه هو الشعور الدائم بالذنب والإحساس بالندم والخوف الذي يصيبه بالعجز ، تبنا إلي الله ، وندمنا علي ما فعلنا.