يُفترض بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أن ينضمّ إلى نادي الرؤساء السابقين الذين يجلّون مقام المنصب، بما يكفي كي ينحّوا غالباً خلافاتهم السياسية جانباً، وحتى الانضمام معاً في قضية مشتركة.

 
يشارك أعضاء نادي الرؤساء السابقين في التقاط الصور معاً، ويبدون لطفاً إزاء بعضهم البعض، لدى حضورهم مناسبات تاريخية، أو جلوسهم جنباً إلى جنب خلال تشييع شخصيات بارزة.
 
كما أنهم يشاركون في مشاريع خاصة معاً، ونادراً ما ينتقدون بعضهم، كما يتجنّبون غالباً انتقاد خلفائهم في البيت الأبيض، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس". واستدركت أن ترمب قد لا يفعل ذلك، مثل تقاليد رئاسية أخرى كثيرة تجاهلها، مستبعدة انخراطه في هذا النادي.
 
وقالت كيت أندرسن بروير التي أجرت مقابلة مع ترمب في عام 2019 لكتابها "فريق الخمسة: نادي الرؤساء في عصر ترمب": "ضحك نوعاً ما من فكرة قبوله في نادي الرؤساء. كما لو أنه قال: أعتقد بأنني لن أُقبل" في النادي.
وواضح أيضاً أن الشعور متبادل مع الأعضاء الآخرين في النادي، أقلّه الآن. وشارك الرؤساء السابقون، باراك أوباما وجورج بوش الابن وبيل كلينتون، في تسجيل مصوّر مدته 3 دقائق، من مقبرة أرلينغتون الوطنية، بعد تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة قبل أيام، مشيدين بالخلافة السلمية في المنصب، باعتبارها جوهر الديمقراطية الأميركية.
 
"الإنسانية المشتركة"
ولم يتضمّن التسجيل أي ذكر لترمب بالاسم، ولكنه كان بمثابة توبيخ لسلوكه منذ خسارته الانتخابات التي نُظمت في 3 نوفمبر الماضي ورفضه الإقرار بها، مندداً بـ "تزويرها" ومحرّضاً على اقتحام مبنى الكونغرس، سعياً إلى منع مصادقته على فوز بايدن. وبات ترمب أول رئيس أميركي لا يحضر تنصيب خليفته منذ 152 عاماً.
 
وقال بوش: "أعتقد بأن وقوفنا نحن الثلاثة هنا وتحدثنا عن انتقال سلمي للسلطة يدلان على التكامل المؤسساتي لبلدنا". ووصف أوباما التنصيب بأنه "تذكير بإمكان أن تكون لدينا خلافات شديدة، وأن نسلّم مع ذلك بالإنسانية المشتركة لبعضنا البعض، وبأن لدينا قواسم مشتركة أكثر مما يفرّقنا، بوصفنا أميركيين".
 
وشارك أوباما وبوش وكلينتون في التسجيل المصوّر، بعد مرافقتهم بايدن في وضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول، إثر التنصيب. كذلك شاركوا في تسجيل مصوّر يحضّ الأميركيين على تلقي لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد.
 
وغاب رئيسان سابقان، هما جيمي كارتر (96 عاماً)، الذي قلّص ظهوره علناً نتيجة كورونا، وترمب الذي كان سافر إلى فلوريدا، مستبقاً تنصيب بايدن.
 
"مختلف مزاجياً"
ونقلت "أسوشيتد برس" عن جيفري إنغل، المدير المؤسّس لـ "مركز التاريخ الرئاسي" في جامعة ساوثرن ميثوديست بدالاس، إن ترمب ليس مناسباً لنادي الرؤساء السابقين، لأنه "مختلف مزاجياً" عنهم.
 
وأضاف: "حظي أعضاء النادي تاريخياً باحترام الرؤساء التاليين. حتى ريتشارد نيكسون كان يحظى باحترام بيل كلينتون ورونالد ريغان.. نتيجة سياسته الخارجية. لست واثفاً من أن يتصل كثيرون بترمب لنيل نصيحة استراتيجية منه".
 
ويُستدعى رؤساء سابقون أحياناً، لأداء مهمات كبرى. ففي عام 2005، تعاون جورج بوش الأب وكلينتون لإطلاق حملة تحض الأميركيين على مساعدة ضحايا "تسونامي" مدمّر ضرب جنوب شرقي آسيا. وعندما ضرب إعصار "كاترينا" ساحل الخليج الأميركي، في العام ذاته، دعا بوش، وهو والد الرئيس جورج بوش الابن آنذاك، كلينتون إلى تعزيز جهود الإغاثة لجمع تبرعات لضحايا الإعصار.
 
وعندما توفي بوش الأب، في عام 2018، كتب كلينتون: "كانت صداقته إحدى أعظم هدايا حياتي"، علماً أن الرئيس الديمقراطي السابق أطاح بنظيره الجمهوري، بعد حملة انتخابية محتدمة، في عام 1992، ما جعل بوش الرئيس الوحيد الذي يحكم لولاية واحدة في العقود الثلاثة الماضية، باستثناء ترمب.
 
واختار أوباما كلينتون وبوش الابن لتعزيز جهود جمع التبرعات لهايتي، بعد زلزال مدمر ضربها في عام 2010. كما بات بوش الابن صديقاً للسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما.
 
ترمب كسر التقاليد
ويبدي الرؤساء عادة الاحترام ذاته لأسلافهم، أثناء ولاياتهم، بصرف النظر عن الانتماء الحزبي. وفي عام 1971، قبل 3 سنوات من استقالته من منصبه، بعد فضيحة "ووترغيت"، ذهب الرئيس ريتشارد نيكسون إلى تكساس، للمشاركة في تكريس المكتبة الرئاسية لسلفه ليندون جونسون.
 
وعندما اكتملت المكتبة الرئاسية لنيكسون، في عام 1990، شارك في الاحتفال الرئيس آنذاك جورج بوش الأب، والرئيسان السابقان رونالد ريغان وجيرالد فورد.
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن كسر ترمب التقاليد بدأ حتى قبل توليه منصبه. فبعد فوزه في انتخابات 2016، استضاف أوباما ترمب في البيت الأبيض، متعهداً بـ "بذل كل ما في وسعنا لمساعدتك على النجاح". وعلّق الرئيس الجمهوري: "أتطلّع إلى أن أكون معك مرات في المستقبل". لكن ذلك لم يحدث، بل اتهم ترمب أوباما بالتنصت عليه وقضى 4 سنوات في انتقاد سجله.
 
وكان رؤساء، حاليون وسابقون، يكرهون بعضهم بعضاً، كما أن انتقاد خلفائهم ليس جديداً. فكارتر انتقد سياسات الإدارات الجمهورية التي خلفته، ووبّخ أوباما ترمب أثناء مشاركته في الحملة الانتخابية لبايدن، كما انتقد سياسات بوش الابن. لكن أوباما حرص على ألا يذكر اسم سلفه. وحاول الرئيس الجمهوري السابق تيودور روزفلت إطاحة خليفته، الجمهوري وليام هاورد تافت، من خلال تأسيسه حزباً وترشحه للرئاسة مجدداً ضده.
 
ترمب وكلينتون
مع ذلك، يعود التبجيل الرئاسي للرؤساء السابقين إلى أبعد من ذلك. فالرئيس الثاني للولايات المتحدة، جون أدامز، كان قلقاً من الإساءة إلى إرث سلفه جورج واشنطن، لدرجة أنه احتفظ بوزرائه خلال عهده.
واعتبرت "أسوشيتد برس" أن ترمب قد يجد متسعاً من الوقت لبناء علاقته مع أسلافه، مضيفة أنه أبلغ كيت أندرسن بروير، التي أعدّت الكتاب عن نادي الرؤساء في عهده، أنه "يمكن أن يرى نفسه يصبح ودوداً مع بيل كلينتون مرة أخرى"، مذكّراً بأنهما اعتادا لعب الغولف سوياً. واستدركت بروير: "أعتقد بأن ترمب ذهب بعيداً جداً، وبأن هؤلاء الرؤساء السابقين لن يرحّبوا به في أي وقت".