التقيت بقداسة البابا شنودة على ما يقرب من الف ساعة زمنية 
قنوات التليفزيون التى فى تركيا وقطر لا علاقة لها بالإعلام
أُُصنف قطر كعدو لمصرَ أسوة بتركيا
 
إن القلم أقوى كثيرًا من السيف هذا المثل الذى صاغه الروائى السياسى ” إدوارد بولور أيتون”ينطبق بكل المقاييس على مؤلفات المفكر والكاتب الليبرالى الدكتور طارق حجى. فهو رجل من طراز فريد ونادر، الرقى والثقافة ودماسة الخلق من أهم صفاته
 
 أقرب إلى الشخصية الموسوعية  كما أن لديه انحيازاً تلقائياً للأقليات العددية واهتمامه و مساندته للمرأة وتطلعاته للحداثة والمعاصرة والتنوير لمجتمع صحى وحياة أفضل.  قال عنه دكتور مصطفى الفقى : “طارق حجى مقاتل دؤوب لا ينسى قضية يدافع عنها ولا يتراجع عن موقف يتبناه”.
 
وكان لى الحظ ان يكون هذا لقائى الثانى بالمفكر السياسى والكاتب الليبرالى الكبير … دكتور طارق حجى برحب بحضرتك :
 
أنا سعيدٌ بالحوار معك مرةً أخرى وسعيد جداً بالتواصل مع قراء ومتابعي “جود نيوز”.
 
1- إذا سمحت لى أود أن ابدأ حوارى معك دكتور طارق بمصطلح “العلمانيه ” هذا المصطلح  ما زال غامض عند عدد ليس بالقليل والبعض الآخر لديهم تعريف أو مفهوم غير صحيح عن العلمانيه بأنها كفر .. ما هى العلمانيه دكتور طارق؟
 
 – العلمانية ليست فصل الدين عن المجتمع وإنما فصل الدين عن الدولة ، وأن تكون الدولة “مدنية” ، وأن المرجعية فيها للدستور والقانون. وعملياً ، فإن العلمانية تعني إبعاد رجال الدين عن إدارة وتسيير شؤون المجتمع. لذلك فإن رجال الدين كانوا وللآن فى حالة حرب مع العلمانية لأنها تقلص نفوذهم وسلطانهم و تأثيرهم.
 
2- فى أحد لقاءاتك التليفزيونية استوقفتنى بشده جملة مهمه جداً حضرتك ذكرتها وهى : “نحن لم ننمو إنسانياً بعشر ما نمونا مادياَ”  أرجو   إيضاح هذا التعبير؟
 
– قصدتُ أن تقدم ونمو البشر فى مجالات العلوم المختلفة لم يواكبه تقدم ونمو إنسانياً. وهناك عشرات الأدلة على ذلك ولكنني أكتفي بدليل واضح جداً وهو أن ما يُنفق على الأسلحة كان ولايزال أضعاف ما ينفق على الصحة والتعليم.
 
3- فى كتاب حضرتك الرائع “نظرات فى العقل المصرى”، قد أشرت فيه إلى أن الأخوان المسلمين لا ترى  فيهم أى ملامح قادرة على التقدم والتحديث وهم مجرد حركة وليسوا حزباً، هذا نقد أو استنتاج غايه فى الأهمية، لكن هناك البعض يتسائل ما هى الركائز التى من خلالها بنيت عليها هذا النقد؟
 
– دراستي لفكر الإخوان ومتابعتي لمسيرتهم كلاهما أكدا لي أن رؤيتهم ماضوية صرف. فهم يقدسون أفكاراً وأشخاصاً من الماضي السحيق ويسترشدون بهم. وهذا يمثل تضاداً كاملاً مع روح الحداثة. وهم يؤمنون بأن الأفكار التى تعود لزمنٍ قديم هى أبدية الصلاحية ، وهذا مناقض للتفكير العلمي. فهذه الأفكار التى يسبغون عليها القداسة هى منتجات لزمن (تاريخ) معينٍ و بيئة (جغرافيا) معينة.
 
4- حضرتك من المهتمين بدراسة الوهابية – ما تأثير الوهابية على فهم  الإسلام ؟ 
 
– الأفكار الوهابية مثل الأفكار الإخوانية تأثيرها الأكبر هو إبعاد الإسلام وبالأحرى المسلمين عن مسيرة التقدم الإنساني. وهذا الابتعاد ظاهرة لا يمكن إنكارها. وبينما أشاهد حالياً إنحساراً كبيراً للوهابية فلا يمكن القول بأن هناك إنحساراً مماثلاً للإخوان.
 
5- وكيف ترى الإسلام السياسى؟
– أري الإسلام السياسي أكبر خطر يواجه الإنسانية والتقدم والحداثة والعلم. والعمليات الإرهابية التى حدثت خلال العقدين الأخيرين مثل أحداث 11 سبتمبر وما وقع أكثر من مرة فى فرنسا هى “بعض” ما سيراه العالم على يد جماعات الإسلام السياسي.
 
6- لو نظرنا إلى الأمور الحياتيه فى مصر احيانا كثيرة تحيل بعض الأمور الاقتصادية ، الاجتماعية ، والطبية، إلى الأزهر ليبت فيها ويؤخذ برأيه في  تلك الأمور كيف ترى هذا دكتور طارق ؟
– هذه الظاهرة هى طعنة فى ظهر “مدنية الدولة” ، وأنا ألوم الدولة على عدم تصديها لهذه الظاهرة المرضية والتى ستجعل عملية تطوير المجتمع شبه مستحيلة.
 
7- ما هى فكرتك عن الهوية المصرية ؟
– مِصْرُ مصرية. فهى وإن كان الإسلام والمسيحية واللغة العربية من مكونات هويتها ، فهى حالة خاصة ومنتج من منتجات التاريخ والجغرافيا. بإختصار، هوية مصر هى ثمرة التاريخ المصري بشتى رقائقه وهى فى نفس الوقت منتج لموقع مِصْرَ الجغرافي كدولة من دول البحر المتوسط.
 
8- كيف ترى الربيع العربى؟
– التغيير والتطوير والتحديث كلها كانت ولا تزال مطلوبة ومرغوبة. ولكن الطبيعي أن يحدث ذلك من الداخل وليس من الخارج. وما يسمي بالربيع العربي كانت توجهه قوى خارجية مثل إدارة الرئيس الأمريكي أوباما وهو ما جعلها فى غير صالح مجتمعاتها بل وفى صالح الإخوان فقط.
 
9- ماذا عن النموذج الشرقى فى الإدارة بمصر ؟
– أنا لي تاريخ فى ممارسة الإدارة إذ كنت لنحو عقد من الزمن الرئيس التنفيذي لشركة عالمية عريقة ، كما أن لي عدة مؤلفات عن الإدارة. وإنطلاقاً من هذه الخلفية فأنا لا أؤمن بوجود نموذج شرقي ونماذج أخرى للإدارة. فالإدارة الحديثة لا جنسية لها. فلإدارة إما أن تكون علمية و عصريةً وإما تكون متخلفة.
 
10- ماذا تقصد عندما وصفت  التدين الحالى بأنه تدين طقوسى؟
– التدين إما أن تغلب عليه الروحانية أو الطقوس. والأول فردي بطبيعته. أما الثاني فيستدعي للمشهد رجل الدين الذى يتدخل فى كل الأمور. والتدين الحالي فى مصر معظمه من النوع الثاني. وهى حالة يحارب من أجل إستمرارها رجال الدين ومعهم المؤسسات الدينية.
 
11- هل حضرتك مع توحيد خطبة الجمعه وهل هذا يتعارض مع حرية الرأى؟
– بالنسبة لخطبة الجمعة فلابد من توحيدها وصدورها عن مصدر رفيع المستوى المعرفي. والعكس ضار جداً. ففى مصر نحو 200 ألف مسجد وزاوية تلقي فيها سنوياً عشر ملايين خطبة جمعة. فكيف نترك هذه الأداة المؤثرة لأئمة معظمهم متواضع الثقافةِ والمحصول المعرفي بل ومعظمهم من ذووي التوجهات الرجعية.
 
12-  بعض الأفواه تقول انه هناك حرب شعواء على الإسلام  بيقوم بها المفكرين العلمانيين – تعقيب حضرتك ؟
– لا توجد حرب على الإسلام وإنما على النموذج المتجمد غير القابل للحداثة منه. والحرب الحقيقية هى من أتباع هذا النموذج المتجمد على الحداثة وقيمها وعلى التفكير العلمي.
 
13-  دكتور طارق لو نظرنا لوضع الأقباط فى مجتمعات ما بعد الربيع العربى  كيف تراها ؟
– وضع المسيحيين فى المجتمعات الناطقة بالعربية يسوء ولا يتحسن. ولا علاقة لهذا بما يُسمي بالربيع العربي فهو من ثمار موجة التدين الطقوسي الرجعية السائدة بدرجات متباينة فى هذه المجتمعات. ويزيد من سوء وضع المسيحيين تقاعس معظم دول هذه المجتمعات عن فرض “مدنية الدولة”.
 
14-  نرى تخصيص برامج لظهور الأخوان المسلمين فى بعض القنوات الفضائيه بشكل مكثف ، كيف يستقبل الغرب القنوات التى يظهر فيها الإخوان؟
– وسائط الإعلام الإخوانية وفى مقدمتها قنوات التلفزيون التى فى تركيا وقطر لا علاقة لها بالإعلام. فهى فى الحقيقة أسلحة من أسلحة ترسانة الإخوان. ولا أظن أن الغرب مستاء منها ! والسبب أن الغرب ليس له موقف موحد من الإخوان. فموقف فرنسا منهم لا يشبه موقف بريطانيا.
 
15-  لو تحدثنا عن  قداسة البابا شنوده وقد كان صديق قريب جداً لحضرتك – كلمنا عن الجانب الذى لا نعلمه عنه وبدون شك سيكون إضافة كبيره لنا ؟
– الجانب الذى لا يتناوله معظم الناس الذين يتحدثون عن البابا شنودة الثالث، هو الجانب الذى بسببه وجدت تلك الصداقة الحميمة بينه وبيني. وأعني ولعه وثراء محصوله المعرفي والثقافي بتاريخ مصر بوجه عام وبتاريخ مصر -محمد عليّ- بوجه خاص وبالشعر والأدب. وخلال ربع قرنٍ سعدتُ و شرفتُ فيه بالقرب منه وقضاء ساعات لا تُحصي معه فقد كان الحوار بيننا دائماً إما تاريخي أو أدبي.
 
16- هناك فترة حرجة أُضطر فيها البابا شنوده فى بداية حبريته أن يواجه هذا المد” الإسلام  السياسى ” كيف ترصد هذه الفترة الحرجة ؟
– منذ أقل قليلاً من خمسين سنة وبتشجيع من السعودية قام رئيس مصر الأسبق أنور السادات ليس فقط بإطلاق سراح آلاف الإخوان وإنما إستوعب كثيرين منهم فى الدولة المصرية، مثل الإخواني الذى عيّنه كمحافظٍ لأسيوط. ومن اليوم الأول لهذا التحرك رأي البابا شنودة إنعكاساته على مصر ومجتمعها وعلى المصريين المسيحيين. وكان ذلك هو نقطة إنطلاق الخلاف بين البابا والسادات. وللأسف ، فقد كان لهذا الخطأ فى الحسابات من طرف السادات أوخم العواقب ومنها إغتياله والتواجد القوي للإخوان فى مصر منذ فتح لهم السادات الأبواب.
 
17- حضرتك صرحت من قبل انك التقيت بقداسة البابا شنودة على ما يقرب من ألف ساعة زمنية خلال عمره، وهذا وقت ليس بالقليل دكتور طارق، وسؤلى ماذا إكتسبت من هذه القامة الكبيرة ؟
– ثقافياً أنا ثمرة أربعة أمور : القراءة والسفر ومسيرتي العملية ومن تعاملت معهم من الشخصيات الإستثنائية. ورغم أنني تعاملت مع عشرات الأشخاص شديدي التميّز ، فإن البابا شنودة من أهمهم. وعن طريقه عرفتُ صفحات من تاريخ مصر لا يُتاح للمهتمين بالثقافة معرفتها بسهولة.
 
18-  لو نظرنا إلى ملف التعليم فى مصر، هل لديك تفسير على اننا منذ خمسة عقود ونحن ننادى بتطوير التعليم ومازلنا فى حالة تخبط؟
– المستويات التعليمية فى مصر تواصل الإنحدار منذ قرابة سبعين سنة. والسبب هو عدم وجود كادر سياسي لديه الرؤية والقدرة على توفير منظومة تعليمية تماثل منظومات التعليم الأرقي فى عالمنا مثل منظومات التعليم فى فنلندا و سنغافورة واليابان.
 
19- إذا تحدثنا عن المرأة المصرية ودورها فى المجتمع وهى من أهم أهتمامتك الفكرية، كيف ترى مكانتها ووضعها حالياً ؟
– أهم محاور كتاباتي تهدف للرقي بمكانة “المرأة” و “المصريين غير المسلمين”. وأقصد أن تعمل الدولة على تحقيق مواطنتهم الكاملة. وفى يقيني أن تقدم مِصْرَ مرهون بعدة أمورٍ من أهمها تحطيم موانع تمتع المرأة والمصري غير المسلم بكل حقوق المواطنة.
 
20- لو ألقينا الضوء عن السياسه الخارجيه بمصر وعلاقتها بالدول المجاوره، أريد أن اسألك دكتور طارق كيف ترى مبادرة المصالحة بين  مصرَ و قطر ؟
– أنا كنت ولا أزال رافضاً و معارضاً لهذا الصلح. إذ أنني أُصنفُ قطر كعدو لمصرَ أسوة بتركيا. وطبعاً أقصد النظام الحاكم فى البلدين.
 
21- دعنى انتقل معك دكتور طارق إلى جانب آخر فى حوارنا وهو جانب متعلق بتسليط الضوء على شخص حضرتك وأسألك عن الطقوس التى تقوم بها عندما تتأهب نفسياً وعقلياً ووجدانياً لتأليف كتاب جديد؟
– لا توجد أي طقوس، فأنا أكتب كما أتنفس. وأكتب يومياً. وأكتب حتى وأنا فى طائرة. ولم يحدث أن كتبت ثم نقحت ما كتبته.
 
22 – هل تقوم بالتحضير لإصدار كتاب جديد قريبا؟
– عندي مسودة نهائية لرواية فى ألف صفحة عنوانها “مهازلستان” وترجمتها بنفسي للإنجليزية وعنونتها Farceland … وقد تكون هى كتابي القادم أي الخامس والثلاثين.
 
23- و أنت محب للشعر كما أعلم  ماهى اقرب الأبيات إلى  قلب و عقل دكتور طارق حجى ؟
– أنا أحفظ مئات القصائد للمتنبي والمعري وشوقي والسياب ونزار قباني وأمل دنقل ولكثيرين غيرهم. لذلك فمن الصعب جدًا أن يكون هناك بيت أو قصيدة أثيرة. ولكن يمكن أن يكون هناك شاعر أثير وهو عندي من القدماء المعري ومن المعاصرين بدر شاكر السياب.
 
24- ما هى هواياتك الأخرى دكتور طارق؟ 
– القراءة والموسيقي السيمفونية وفنون الأوپرا والفنون التشكيلية
 
25- هل كان للموسيقى والمسرح دور فى تكوين جزء هام من شخصية المفكر الكبير دكتور طارق حجى؟
– الموسيقي السيمفونية كانت من أهم أدوات تشكيل وجداني وذوقي.
 
26- فى وقت فراغك دكتور طارق ماذا تفعل؟
– لم ولا يوجد فى حياتي وقت فراغ.
 
27- تعددت زياراتك لكثير من الدول ماهى الدوله أو البلد المفضله لديك؟
 
– بريطانيا.
28- ما هو حلم حياتك الذى تود أن تراه واقعاً ملموساً ؟ 
– حلم حياتي هو أن تصبح مصرٌ مجتمعاً عصرياً يلتحق بركب الإنسانية المتقدمة.
نقلا عن جود نيور