كتب : مدحت بشاي
Medhatbe9@gmail.com
 
بمناسبة ذكرى رجيل كبير الساخرين أحمد رجب التي نعيشها اليوم  ، لعله من المناسب في البداية الحديث عن الحدوتة الطريفة الشهيرة القديمة حول مقلب ساخر من مقالب كاتبنا الراحل المتكررة أراها خير تقديم لفكره وتركيبة شخصيتة ، وذلك عندما أهدى مجلة الكواكب مسرحية وقال أنها مترجمة عن الكاتب المسرحى العالمى دورينمات بعنوان " الهواء الأسود"  والمسرحية لا رابط بين شخصياتها التى تنظر إلى ساعة معلقة على حائط وتتحدث كلامًا مبتورًا وغامضًا يحتمل أكثر من تأويل.. ثم دعت المجلة عددًا من كبار النقاد ليتناولوا النص العالمى بالنقد والتحليل فأشاد الجميع، وكان من بين هؤلاء د. عبدالقادر القط ورجاء النقاش وعبدالفتاح البارودى، ثم ظهر أحمد رجب فى النهاية ليعلن أنه مؤلف المسرحية التى وصفها البعض بالعالمية، ووصفها البعض الآخر بأنها نقلة فى فن المسرح، بينما أكد لهم أنه لم يستغرق فى كتابتها أكثر من ساعة زمن.
 
ولم يكن " رجب " بالطبع قد فكر وأدار مقلبه لوضع معاصريه من الكتاب والنقاد في وضغ محرج ، وإنما هو كاتب ساخر يهوى المقالب ، و لأنه كان يعشق المسرح الكلاسيكى ولا يستسيغ الأشكال الجديدة ويرى أنه نوع من العبث تحت اسم المسرح.. وأراد أن يدلل على رأيه بطريقة عملية فأعطى العمل لمجلة الكواكب !
 
أقول أن حدوتة المقلب وصياغتها أراها صالحة لإيجاز التعريف بالتركيبة الشخصية لمبدعنا .. الوضوح والصراحة واستخدام الأداء الكوميدي والإعلان عما يرفض مقدمًا الدليل دون إطارات تفخيمية أو استعلائية  ..
 
وقد كانت بدايات " أحمد رجب " الإبداعية وهو طالب بكلية الحقوق ـ جامعة اﻷسكندرية ،عندما أصدر مجلة "أخبار الجامعة" بصحبة زملائه أثناء دراسته الجامعية هي خطوته اﻷولى والتي فتحت له الطريق حتى أصبح من كبار الساخرين في الصحافة المصرية بل والصحافة العربية، فقد كان لكتاباته رونق مميز عن باقي أشكال الكتابة في الوسط الصحفي، ما جعلها تحتل مكانة خاصة لدى الجماهير المصرية والعربية. ، وباتت مجلة أخبار الجامعة تمثل محطة مهمة في حياة "رجب" المهنية نظرِا لكونها كانت طريقه للتعرف بمصطفى أمين وعلي أمين، وقد كان لهما دورًا بارزًا في اكتشاف مواهبه الصحفية ..
 
وإذاكانت مجلة " أخبار الجامعة " محطة هامة في بدايات الممارسات الإبداعية لأحمد رجب الشاب الجامعي ، فقد كانت مجلة الحائط الأشهر في كلية الفنون التطبيقية التي يحررها الطالب عاطف بشاي بقسم التصوير السينمائي ويقوم برسم الرسوم المصاحبة والنكات الكاريكاتورية بها مع زميله الشاعر الكبير "محمد فريد أبوسعدة " تمثل أيضًا بداية تعريفية لمواهبه ، فقد كانت المجلة لسان حال طلاب الكلية والمعبرة عن غصبهم في السبعينات من القرن الماضي لتكرر وعود " السادات " بالقيام بحرب إزالة آثار العدوان ولا تتحقق .. ويمارس الكتابة النقدية الدورية في صفحات الفنون التشكيلية ، ومجلات وزارة الثقافة في السينما والمسرح والفنون ، ويصدر الشاعر الكبير " محمد عفيفي مطر " مجلة " سنابل " وينضم "بشاي " لأسرة تحريرها للكتابة والرسم ..وقبل التخرج من كلية الفنون يتقدم للدراسة بمعهد السينما لدراسة الإخراج والسيناريو ، ويكتب سيناريو قصة " تحقيق " لمؤلف نوبل " نجيب مخفوظ " بدعم وتقديم أستاذه في المعهد ورئيس قطاع الانتاج التليفزيوني السيناريست الكبير الرائع "ممدوح الليثي" وتتوالى نجاحات أعمال "بشاي " ويتخرج من معهد السينما بتقدير امتياز وأول دفعته الأروع في تاريخ المعهد ، ويضمه " الليثي " لأسرة قطاع الانتاج بالتليفزيون المصري ، ليكون المبدع الذي تكاملت لديه الرؤية والتمكن من أبجديات لغة الصورة وأصول الدراسة الأكاديمية لعلوم الدراما .. ولنكون أمام فنان تشكيلي ومصور وسيناريست ومخرج وناقد ومفكر وتنويري رائع تشهد بإبداعاته الدرامية والفكرية كل روافد الإبداع المصرية والعربية...
 
والمجال لايتسع لسرد محطات العمل مع معظم كتاب الرواية والقصص القصيرة الكبار ، ولكننا هنا يمكن الإشارة السريعة للأعمال التي جمعته بالمبدع الساخر الكبير أحمد رجب .. 
 
لقد كانت  بداية علاقة بشاي  بـ " أحمد رجب" رائعة ، إلى حد وصف " بشاي " لقد كان لقائى به هبة من هبات السماء.. حيث امتزجت عبقرية المفارقة عنده بروح السخرية الكامنة فى نفسى التواقة إلى كشف عورات المجتمع.. ونزع أقنعة زائفة تدين بشر ليسوا ببشر.. ومسلمات تسكن حدقات عيوننا وتصبغ حاضرنا بماض كنا نتوق إلى تجاوز تخلفه وجموده.. ومن هذا الائتلاف بين عبقرية المفارقة عنده.. والشوق عندى إلى تعرية قبح واقع مهترئ كنا نعيشه في تلك المرحلة .. وأحاول أن أعبر عن ملامح «الملهاة» فى أعماقه..." 
 
كتب بشاي السيناريو والحوار لقصص نشرها " رجب "فى مراحل زمنية مختلفة فكانت أفلام «فوزية البرجوازية» و«الوزير جاى».. و«محاكمة على بابا» و«المجنون» و«صاحب العمارة» و«الإدارة العامة للكباب» ومسلسلى «الحب وسنينه» و(ناس وناس) فيما يؤسس لنوع مبتكر أو مدرسة فنية جديدة فى الكوميديا يمكن تسميتها «بالكوميديا الكاريكاتيرية» أو «الكاريكاتير الدرامى».
 
و يتضح ذلك من خلال فيلم «فوزية البرجوازية» مثلا القائمة فكرته على تشاحن أصحاب الاتجاهات السياسية المتنافرة.. وتضارب انتماءاتهم الأيديولوجية المختلفة ما بين يمين ويسار واستخدامهم كافة أنواع التراشق اللفظى فى «مصطلحات سياسية غامضة وملتبسة وغير مألوفة بين الناس.. ولكنها شائعة بين المثقفين المتحذلقين مثل (برجوازى متعفن– يمينى رجعى– رأسمالى راديكالى– يسارى ديما جوجى.. إلخ).
 
ولكن ــ للأسف ـ حظ أهل الدراما الكوميدية في التقدير والتكريم والحصول على جوائز الدولة يواجه عنت وصعوبة ، إلى حد التأخر في منح العظيم " لينين الرملي " جائزة الدولة وبعد رحيله .. 
 
لقد تميزت أعمال بشاي بالتفرد والتنوع والانتماء الوطني التبيل والجمع بين النجاح الجماهيري والثناء النقدي وتقديم رؤية جديدة للكوميديا الكاريكاتورية .. 
اتنين / اتنين .. " رجب وبشاي " حالة خاصة جدًا تستحق الدراسة وتقديم مخرجاتها الفنية للأجيال القادمة..