كتب – روماني صبري 

أصاب العالم المصري الشهير بـ"أينشتاين العرب"، الدكتور على مصطفى مشرفه، نجاحا عظيما في مجالي الرياضيات والفيزياء، باتت أبحاثه محل اهتمام في الدوريات العلمية وكان لم يتجاوز 25 عاما، حيث تم نشر أول بحثين له في عام 1922، وهما البحثان اللذان نال عليهما درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم،  وفي عام 1923 قدم د. مشرفة 7 أبحاث حول تطبيق فروض وقواعد ميكانيكا الكم على تأثير زيمان، وتأثير شتارك، ومن خلال تلك الأبحاث حصل على درجة دكتوراه العلوم، ولقب بأينشتاين العرب لأن أبحاثه كانت في نفس المجال ونفس الموضوعات التي كانت أبحاث ألبرت أينشتاين تدور حولها، وتكريما لجهوده، اعتمدت حكومة المملكة المتحدة منحة تعليمية لدراسة الدكتوراه تحت اسم منحة نيوتن-مشرفة للدكتوراه في المملكة المتحدة.
 
لا يجب أن يستخدم العلم للتدمير 
نادى مشرفة بالإصلاح الاجتماعي والتطوير بناء على البحث العلمي، وكان شغوفا بنشر الوعي العلمي على العامة، وكتب العديد من المقالات والكتب حول العلوم بشكل بسيط، شجع  كذلك حركات الترجمة للغة العربية، وله دور في كتابة موسوعة علمية عربية، وكتب في التراث العلمي العربي أيضا، ناهض استخدام الطاقة الذرية في الحروب، وحذر من استغلال العلم واستخدامه كوسيلة للتدمير.
 
ابن لأب ناهض البدع والخرافات  
هذا العالم العظيم من مواليد 11 يوليو 1898 في مدينة دمياط، مصر، وكان الابن الأكبر لمصطفى مشرفة أحد وجهاء تلك المدينة وأثريائها، ومن المتمكنين في علوم الدين المتأثرين بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده العقلانية في فهم الإسلام ومحاربة البدع والخرافات، وكان من المجتهدين في الدين، وله أتباع ومريدون سموه صاحب المذهب الخامس.
 
طفولة حزينة 
لعبت والدته دور كبير في حياته، حيث تلقى على يديها  دروسه الأولى، ثم ارتاد مدرسة "أحمد الكتبي"، وكان دائما من الأوائل في الدراسة، ولكن طفولته خلت من كل مباهجها، حيث غيب الموت والده في 8 يناير 1910،  بعد أن فقد ثروته في مضاربات القطن عام 1907، وخسر أرضه وماله وحتى منزله، وبموت الأب صار الابن علي الذي لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره عميدا لأسرته المكونة من أمه وإخوته نفيسة، ومصطفى، وعطية، وحسن، وانتقلت الأسرة إلى القاهرة مع جدتهم لأمهم، حيث استأجروا شقة في حي محي بك بعابدين، ويقول مشرفه عن طفولته : 
كنت أفني وأنا طفل لكي أكون في المقدمة، فخلت طفولتي من كل بهيج، ولقد تعلمت في تلك السن أن اللعب مضيعة للوقت (كما كانت تقول والدته)، تعلمت الوقار والسكون في سن اللهو والمرح، حتى الجري كنت أعتبره خروجا عن الوقار." 
 
المتفوق يذهب إلى بريطانيا 
وكونه شجاع وذكي، كافح والتحق بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية والتي أمضى فيها سنة في القسم الداخلي المجاني، انتقل بعدها إلى المدرسةالسعيدية في القاهرة وبالمجان أيضا لتفوقه الدراسي، فحصل منها على القسم الأول من الشهادة الثانوية (الكفاءة) عام 1912، وعلى القسم الثاني البكالوريا، عام 1914، وكان ترتيبه الثاني على القطر المصري كله وله من العمر ستة عشر عاما وهو حدث فريد في عالم التربية والتعليم في مصر يومئذ، وأهله هذا التفوق (لاسيما في المواد العلمية) للالتحاق بأي مدرسة عليا يختارها مثل الطب أو الهندسة، لكنه فضل الانتساب إلى دار المعلمين العليا، حيث تخرج منها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلى بعثة علمية إلى بريطانيا على نفقتها.
 
نحتاجك عالما أكثر من ثائرا
انتسب في خريف 1917 إلى جامعة نوتنجهام الإنجليزية، والتي حصل منها على شهادة البكالوريوس في الرياضيات خلال ثلاث سنوات بدلا من أربع، وخلال اشتعال ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، كتب علي مشرفة إلى صديقة محمود فهمي النقراشي، أحد زعماء الثورة، يخبره فيها برغبته الرجوع إلى مصر للمشاركة في الثورة، وكان جواب النقراشي له : نحن نحتاج إليك عالما أكثر مما نحتاج إليك ثائرا، أكمل دراستك ويمكنك أن تخدم مصر في جامعات إنجلترا أكثر مما تخدمها في شوارع مصر."
 
شهدت فترة العشرينيات والثلاثينيات، من القرن الماضي دراسة مشرفة لمعادلات ماكسويل والنسبية الخاصة، وكان له مراسلات مع ألبرت أينشتاين، نشر مشرفة 25 ورقة علمية أصلية في مجلات علمية مرموقة، وكانت موضوعات تلك الأوراق تدور حول نظرية النسبية والعلاقة بين الإشعاع والمادة.
 
كذلك نشر 12 كتابا علميا حول النسبية والرياضيات، تُرجمت كتبه عن نظرية النسبية إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبولندية، كما ترجم مشرفة 10 كتب عن علم الفلك والرياضيات إلى اللغة العربي، كان مشرفة مهتما بتاريخ العلوم، وخاصة دراسة مساهمات علماء العرب في القرون الوسطى، ومع تلميذه محمد مرسي أحمد نشر كتاب الخوارزمي كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة، أيضا اهتم بالعلاقة بين الموسيقى والرياضيات، وساعد في إنشاء الجمعية المصرية لمحبي الموسيقى في عام 1945.
 
أوراقه العلمية : 
ظهور المكونات غير المتناظرة في تأثير شتارك المجلة الفلسفية، عام 1922، تأثير شتارك على المجالات الكهربية القوية (المجلة الفلسفية، العدد 44، صـ371) – عام 1922، نظرية الكوانتم لتأثير زيمان المعقد (المجلة الفلسفية، العدد 46، صـ177) – عام 1923، عن التقريب الثاني لنظرية الكوانتم لتأثير زيمان البسيط (المجلة الفلسفية، العدد 46، صـ514) – عام 1923، تأثير شتارك على المجالات القوية (المجلة الفلسفية، العدد 46، صـ751) – عام 1923، عن نظرية الكوانتم لتأثير زيمان البسيط (مجلة وقائع الجمعية الملكية، العدد 102، صـ529) – عام 1930، عن الديناميكا الكمية للأنظمة التالفة (مجلة وقائع الجمعية الملكية، العدد 107، صفحة 237) – عام 1925.
 
هل قتله الموساد ؟ 
غيبه الموت في 15 يناير عام 1950، اثر تعرضه لازمة قلبية، وثمة شكوك حول وفاته، حيث يعتقد ان جهاز الموساد الإسرائيلي من قتله، ولكن كتاب دكتور علي مصطفي مشرفة: ثروة خسرها العالم من تأليف شقيقه الدكتور عطية مشرفة ينفي تماما هذه الأقاويل ويؤكد أنه مات على فراشه اثر تعرضه لازمة قلبية.