محمد حسين يونس
مصر عام 2011 اقتصاد راكد يعيش علي المعونات و القروض .. رجال اعمال شرهين يضاربون في البورصة و يتلاعبون بصغار المستثمرين .

غلاء متزايد نتيجة الاحتكارات .. فقر شديد لشرائح واسعة من العاطلين .. و غني مقزز لمن امتلك السلطة و استطاع تطويعها لصالح مكاسبه .

 صراع ضارى بين كل الاطراف المتحكمة في الجهاز البيروقراطي المتضخم ..

ظلم بيِّن و انهيارات لرجال الاعمال الصغار .. و أمن شرس يحرس العصابة ..

واحزاب هيكلية تسعي لاى مكان تحت الشمس دون جدوى .. عدا هؤلاء الذين يمتلكون اموال الجماعة فهم يعملون بهدوء متدثرين بثوب الدين و  بردة الخدمات الاجتماعية .

 صراع غير ظاهر بين قوى تمتلك المنصب و اتخاذ القرار و تحريك اجهزة السيطرة و اخرى تملك حرفيه العمل السرى و تستخدم بمهاره كوادرها النائمة في تحقيق الاهداف..و خداع السلطات و تملق الرئيس الذى بقي علي العرش لثلاثين سنة .
 
الاخوان كسبوا الجامعات بتبرعات لشراء ملابس للفقيرات ومرتبات شهرية للبلطجية و الفتوات لرفع نغمة الخطاب الدعوى ..
 
الاخوان استولوا علي النقابات بالتحالف مع القوى الانتهازية التي تم طردها من جنة الحزب الوطني ..

 الاخوان استولوا علي العشوائيات .. بتقديم خدمات لدروس خصوصية و عيادات رخيصة ..

 الاخوان استولوا علي السوق بتقديم تسهيلات في الدفع و تخفيضات في النوعية و الهوالك ..
 
الاخوان استولوا علي الصحافة بالرشوة و الهدايا و المكافآت .. و علي اذن و عين المستمع بواسطة محطات الفضائيات الدينية الشكل الدعوية الجوهر .

 الاخوان بعد أن إمتنعوا و تمنعوا في مسايرة جماهير الشعب التي تهتف (( الشعب يريد تغيير النظام )) عندما مالت الكفة في إتجاة النصر ..استولوا علي الثورة التي أطاحت  برئيس العصابة ..

وبدأت الكوادر النائمة تستيقظ.حتي بين ضباط الجيش العظام ..تنادى (( الإسلام هو الحل ) ) لتخفت نغمة .. (( عيش حرية عدالة إجتماعية ))  .

الانحياز الطبقي الذى كان للمهمشين و الفقراء و سكان العشوائيات كان انحيازا انتهازيا بهدف سرقة اصواتهم لذلك لم يتجاوز بعض المساعدات العينية التي تبرع بها المحسنين من الخليج و السعودية بهدف تغليب الشركاء .. و لم يقدم حلولا جذرية لرفع المعاناة عنهم .

لم يدم هذا  التصالح كثيرا فخطط الاندماج بين كرتيلات العهد البائد و كرتيلات العهد الذى سيصبح بائدا تعمل ليل نهار لتعيد تصنيع آلة استنزاف الشعب التي استمرت لاربعة عقود خلت دون إعطاب

فلنتوقف عن الخداع والادعاء بأن ما قام به تجار الدين من جموح وتطرف إنما كان  لنصرة الاسلام و لصالح المسلمين .

 فالواقع أن ما جرى على الأرض كان  التجسيد  الحي لمفهوم أن الدين  حولوه إلي سلعة مثل أى نشاط إنسانى يخضع لقوانين السوق و تعكس تحالف مليونيرات ( حماس ، الاخوان ، الاتراك ) مع مليارديرات (الخليج والسعودية و قطر) فى مواجهة قوة اقتصادية منهزمة كانت تمنع تواجدهم فى سوق يضم مئات الملايين من المستهلكين .

إنها حركة المجتمعات التى لا يشذ عنها ما حدث بالأمس او ما يحدث اليوم سواء فى الاسباب أو الوسائل او النتائج.

عندما بدأ حسن البنا نشاطه عام 1923 .. لم يكن من الملهمين الذين حباهم الله بفضله فجعله يخطط و يستشف و يقرر الطريق و المستقبل لامة الاسلام

لقد كان مدرس خط مغضوب عليه تجمع حولة عدد من محدودى الذكاء و العلم و القدرة الإقتصادية بالإسماعلية .. و لا يستطيع أن يشب  بهم بين عمالقة زمنه من رجال دين متفتحين في جمعية الشبان المسلمين أو كبار الفلاسفة و المفكرين الذين يمهدون الطريق لمصر المعاصرة الفعاله .

لذلك كان حريصا علي ان يتواجد في السوق و لو بقوة المال عن طريق الانشطة التجارية و التبرعات و الاعانات التي يتلقاها نظير القيام باعمال ليست بيضاء دائما ..
 
لقد قدم خدماته لشركة قناة السويس ،ثم الانجليز، فالملك فؤاد ثم ابنه فاروق .: و لكل من كان علي خلاف مع الوفد لقاء أجر و مكافئة .

و بمرور الوقت و التفاف الطامعين حوله كبرت التجارة و توسعت لينضم بجماعته للبرجوازية المصرية الصاعدة المعادية لنفوذ الاجانب و اليهود المسيطرين علي السوق المحلي .

القومية و الدين كانا سلاح البرجوازية المصرية في زمن مقارب لمنتصف القرن الماضي حتي أن طلعت حرب الذى انشأ اول بنك مصرى برأسمال محلي كون شركه باسم (( المصنوعات المصرية )) للترويج للبضائع المحليه و مقاومة نفوذ المستورد والاجنبي .

و احمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة  انشأ مشروع القرش لصناعة الطرابيش تعبيرا عن رفض استيرادها من تركيا ..

 و فتحي رضوان كان ينادى بتمصير المرافق .. و الوفد كان يتحدث عن خطه خمسية للتصنيع ..

و علي الجانب الاخر كان حسن البنا يستخدم الدين كسلاح ازاحة للاجانب من السوق داعما وجهة نظره بسلسلة من التفجيرات و التدمير لمنشآت اليهود والاجانب انتهت بحرق القاهرة .

افكار حسن البنا الخاصة بمقاومة مد التغريب بالعودة الي اصول الدين و تجميع المسلمين تحت لواء الخلافة التي اوقفها مصطفي كمال اتاتورك في تركيا

كانت تعبيرا عن المأزق الاقتصادى الذى صادفته البرجوازية المصرية المستسلمة لقهر الاحتلال العسكرى وانظمة الحكم المضادة لحركة التمصير

.. لذلك لم يكن غريبا علي ضباط يوليو واغلبهم كانوا منجذبين لافكار الاخوان أن تدور اولوياتهم حول طرد الاجانب والاستيلاء علي السوق لصالح
البرجوازية الناشئة وهو ما جعل العديد من هذه القوى تدعمها وتؤيدها .

الاخوان منذ البداية كان هدفهم السوق و التجارة .. وهم لم يتخلوا ابدا عن هذا الحلم فهم بعد أن حاولوا ازاحة عبد الناصر و اصطدموا به .. هاجروا الي الملكين سعود و حسين ورضوا الا يزاولواهناك نشاطا دعويا في مقابل عقد صفقات تجارية يسيل لها اللعاب .

صفقات الاخوان طالت جميع البلاد التي بها مسلمين و تنوعت و كسبت الانصار الذين تربوا علي حب المال و الشطارة في التعاملات

و هكذا تكونت الامبراطورية التجارية الاخوانجية من كرتيلات سرية تتبع طقوسا غير معروفة اغلب اعمالها مختفية تحت الماء في حين ان الظاهر منها محدودا .

عندما قرر السادات فتح ابواب البلاد للاقتصاد الاجنبي تقدمت جحافل الاخوان تغزو بما يسمي شركات توظيف الاموال .. المدعومة من رجال الدين .. علي اساس ان اموال منافسيهم تشوبها خطيئة الربا بينما اموالهم حلال ..
 
و انتهت المأساة بتصادم مع البرجوازية الطفيلية الصاعدة لتخرج هذه الشركات بمدخرات السذج الذين يبغون الحلال و بكسر للتجربة مهين .

في الزمن المباركي كانت عصابات الحاكم قد قويت و تسلحت بالامن و الرقابة الادارية وكل لص و حرامي و مرتشي و تغولت بحيث لم تترك للمنافسين مجالا ..

 و هكذا اصبح لزاما الاطاحة بنفوذ عصابات الحاكم لتستطيع جحافل الاخوان الاقتصادية اعادة استرداد مواقعها .

الدين نشاط انساني و كل نشاط له قيمة في السوق ترتفع وتنخفض طبقا للاحتياج له .. ولقد كانت مقاومة الطاغوت المباركي تحتاج لخطاب ديني قوى و مؤثر ليصوت المصريون حسب اشارة المرشد

و كانت فترة القبض علي السلطة تحتاج الي خطاب ديني واعظ ليستسلم المصريون لتجارب الحكم الجديد ..

و الفترة التالية تحتاج لخطاب ديني يحض علي الطاعة لأولي الامر .

و بعد الصراع بين مؤسسات الجيش الإقتصادية .. و مؤسسات (الجماعة ) و إنتصار الأولي .. و تاميم أموال الثانية و الحجر علي نشاطها .. وسجن قياداتها
أصبح  الخطاب  الذى يتم تداوله  بكثافة  خطاب المواساة والصبر علي المكاره و احتمال ما اراده لنا الرب ان كان خيرا و ان كان ضرا ..

و ها هي الجوقة تلعب لحنها المفضل .. فتقنع البعض  بمدى الجور و الظلم الذى لحق بها  يرددون كما كتبت لي .. صديقة بالأمس

((خلافنا مع الاخوان خلاف سياسي فقط .. كان يجب ان لا نصمت علي ظلمهم و قتلهم و سجنهم و مصادرة اموالهم و فصلهم من وظائفهم و جامعاتهم و التنكيل بهم.. ياباشمهندس محمد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض😥)) .

جماعة الأخوان التي أفسدت الثورة في خمسينيات القرن الماضي و إستخدمت رجالها في الجيش للتمكن من الحكم  فغدروا بها ..
 
بعد إختفاء طويل مرير عادت في 2011 تحمل (الخير لمصر ) .. فتلقي نفس المصير من حلفاءها الميرى .

ثم ها هي تنكمش تحت الظلال الاردوغانية .. تحاول أن تعيد إحتلال وعي الشارع  بإذاعات و محطات تلفزيون فضائية ..لا تتوقف عن البكاء و العويل علي ما حدث لثورة المصريين في 2011 .. تقتل القتيل و تمشي في جنازته .. (نكمل حديثنا باكر ).