الأب رفيق جريش
لست من هواة السياسة الأمريكية.. وقطعًا، لست من هواة ما يسمى الديمقراطية الأمريكية، فهى ليست ذات جدوى داخليًا ولا خارجيًا، فداخليًا هى سلسلة من المسرحيات تأتى لمن نجح فى «لم فلوس» الأغنياء ومن رضيت عنه جماعات الضغط المختلفة التى تتصارع فيما بينها لتأتى بمن سيحقق لها مصالحها، فتضيع آمال الفقراء والبسطاء الذين راهن عليهم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، فنجح فى انتزاع فترة أولى، وفشل وسقط فى انتزاع فترة ثانية، لأنه عادى - بسوء تقديره - جماعات الضغط التقليدية والدولة العميقة والإعلام والأجهزة الأمنية المختلفة.. إلى آخره. أما خارجيًا، فباسم تأسيس وتحقيق الديمقراطية تم الهجوم على أفغانستان التى انتهت بعقد اتفاق مع طالبان الإرهابية وتقسيم العراق وتدمير سوريا وغيرهما وغيرهما.. فهذه حكمة أقوى دولة فى العالم والتى تقدم ذاتها أنها أعرق دول العالم ديمقراطيًا، فلسنا على ثقة بأنها هكذا رغم انبهار البعض بها.

دونالد ترامب هو مثال التاجر الذى لا يرى فى أى معاملة أو تعامل مع أى أحد إلا أنها صفقة تجارية يجب ألا يخسرها مهما كان الثمن، حتى لو كان الثمن الانقلاب على حلفائه أو مؤسسات بلاده أو أرواح شرطته وشعبه، كما حصل يوم الأربعاء الأسود 6 يناير الجارى فى الحوادث المؤسفة فى الكابيتول، فكل الذين عينهم ترامب كمستشارين أو مساعدين كان يطلب منهم شيئًا واحدًا فقط وهو الولاء له.. ارجعوا لكتاب مستشاره للأمن القومى
John Bolton The Room where it Happened .

وليس الولاء للدولة ولا الولاء للتخصص، شأنه شأن أى ديكتاتور لا يثق إلا فى فكره وذكائه وقدرته، لذا عندما ضَعُف، لجأ إلى تحريض الطبقة الأدنى من الوسطى الموصوفة بالبلطجية فى الإعلام الموالى للحزب الديمقراطى والتى هاجمت ما يفتخر به الأمريكيون أنه «هيكل الديمقراطية».. ذكّرنا هذا الموقف بمحمد مرسى عندما انقلب على الدستور فى ديسمبر 2012، وكانت نتيجته دماء القتلى والجرحى على أبواب الاتحادية.. يجب ألا نظن أن الرئيس المنتخب جو بايدن أحسن حالًا، فهو أيضًا أتى بفضل جماعات الضغط، يقال إن منها الإخوان المسلمين، بجانب الصهيويهودية، وتبرعات الناس خاصة الأغنياء، ولكنه أيضًا قدم برنامجًا واضحًا، بينما غريمه الذى اشتهر بعشوائيته لم يستطع أن يقدم شيئًا يُذكر غير التطاول والكذب.

جو بايدن (78 سنة) هو ابن المؤسسة العميقة، وهو سياسى محترف (لأكثر من 37 سنة خبرة)، فكان من الطبيعى أن يعتلى السلطة التى تمرّس عليها بعد أن شحن تلك المؤسسات ضد غريمه.

ما يهمنا فى أمر الديمقراطية على الطراز الأمريكى نقطتان أساسيتان، أن الدولة أعلى مكانة من الديمقراطية، شأنها شأن كل دول العالم، وعندما تكون الدولة فى خطر، حتى من رئيسها، فحراس الدولة يتولون حمايتها ولا يسمحون له بالتمادى، لذا يحاولون عزل ترامب، حتى لو آخر يوم فى مدته الدستورية، حتى لا يفكر أى رئيس قادم فى الانقلاب على مؤسسات الدولة.. والنقطة الثانية أن الدستور والقوانين الأمريكية وُضعت بكل دقة وبالتفاصيل، وهى متنبئة بكل ما قد يحصل فى حال عدم قدرة الرئيس على إدارة الدولة، كأن ديمقراطيتهم تصحح ذاتها بذاتها.

سوف يراقب العالم كله حفل تنصيب الرئيس الأمريكى الجديد يوم 20 يناير القادم ويهلل للديمقراطية الأمريكية، ولكن لن نقع فى شرك ظواهر الأمور.
نقلا عن المصرى اليوم