في مثل هذا اليوم 19 يناير1899م..
 بريطانيا تفصل السودان عن مصر وتعلن السودان المصري الإنجليزي..(توقيع اتفاقية الحكم الثنائى بين انجلترا ومصر)..

السودان الإنجليزي المصري كان اسماً سابقاً للسودان الحالي في فترة الاحتلال الإنجليزي المصري للسودان بين عامي 1899 و1956. شهدت هذه الفترة إرساء أركان الدولة الحديثة في السودان وشكلت المشهد السياسي السوداني المعاصر إلى حد كبير. ومهدت للحرب الأهلية التي أدت لانفصال الجنوب في 2011.

في عام 1820 في عهد محمد على باشا والي مصر، قام إسماعيل كامل باشا بن محمد علي بغزو البلاد وكان جيشه يتكون اساسا من الاتراك والبوشناق من البوسنة والالبان و المغاربة والهنود و العربان كما استخدم العبابدة لشهرتهم في معرفة الدروب  الجدير بالذكر انه لم يتم استخدام اي مصري في الحملة حيث لم يتم تجنيد المصريين في ذلك الوقت. انتهت الحرب في عام 1822 بانتصار قوات إسماعيل باشا سابقة الذكر، وضمت اجزاء واسعة من السودان الشمالي والأوسط بما فيه مملكة سنار ما عدا دارفور للحكم الخديوى. عرفت تلك الفترة عند السودانيين بالتركية السابقة.

قام الخديو إسماعيل أبن إبراهيم باشا بن محمد علي باستكمال فتوحات جده في السودان واستطاع ضم المناطق الاستوائية حتى أوغندا بحلول عام 1875. وقام الزبير باشا أحد تجار (الرقيق) وحاكم بحر الغزال في عام 1873م،  بغزو دارفور وضمها لأملاك الخديوي في وقت لاحق.

في العام 1880 قامت الثورة المهدية في السودان مدفوعة بمثالب الحكم التركي المصري وفساد موظفيه، وبدأت مسيرتها بعدة انتصارات محدودة اتسعت بسرعة بعدد من المعارك الكبيرة منها معركة شيكان الشهيرة والتي تم القضاء فيها على هكس باشا وجنوده من المصريين الإنجليز، وأخيراً فتحوا مدينة الخرطوم، وقضوا على غوردون لتنتهي بذلك فترة السيطرة المصرية على السودان.

كانت الأحوال في السودان سيئة في فترة عبد الله التعايشي الذي خلف المهدى في عام 1885 ودخل التعايشي في حروب داخلية وخارجية كثيرة كالحرب ضد الحبشة ومحاولة غزو مصر التي كانت قد صارت مستعمرة بريطانية بصورة رسمية في ذلك الوقت، ولم تتمكن قواته من هزيمة الجيش البريطاني. يشير البريطانيون للمهديين بلفظ الدراويش..

في عام 1896 أنذرت الحكومة البريطانية فرنسا من الزحف في اتجاه السودان، بعثة عسكرية مشتركة مع مصر لاحتلال السودان وكان قائد الحملة اللورد هربرت كتشنر وقد هزم قوات الخليفة التعايشي في أم درمان في 2 سبتمبر 1898 وسقطت الخرطوم في يد القوات الغازية وانتهت الدولة المهدية. بنهاية عام 1900 اكتمل بسط السيطرة على كامل كردفان وتركت دارفور تحت حكم علي دينار الذي احتفظ بعلاقات طيبة مع الحكومة المركزية حتى قرب قيام الحرب العالمية الأولى..

بعد استقرار الأحوال في مصر وتحسن الاقتصاد تحت الحماية البريطانية وإعادة تنظيم الجيش المصري قررت الحكومة البريطانية في 12 مارس 1896 إرسال بعثة عسكرية لإعادة احتلال مديرية دنقلا بدعوى تخفيف الضغط عن الإيطاليين في كسلا في شرق السودان. إلا أن الهدف الأرجح هو مخاوف البريطانيين من احتلال الفرنسيين للسودان مع توارد أنباء عن تحرك قوات فرنسية من الكونغو بقيادة الميجر مارشاند (أنظر حادثة فشودة أدناه).
لم تتم استشارة المصريين في الامر رغم أن المهمة قد أسندت للجيش المصري بقيادة كتشنر الذي تلقى تعليماته من اللورد كرومر مباشرة ودون أي تدخل من وزارة الحربية المصرية.

كان ميزان القوة يميل للقوات الغازية بشكل كبير. إذ تتفوق على قوات المهدية في التدريب والعتاد و السلاح الناري. و كانت العقبة الأساسية أمامها هي طول خطوط الإمداد في أراضي العدو.

أما بالنسبة للمهديين فقد تفوقوا عددياً واشتهروا بالإقدام الكبير وباستعدادهم للموت في سبيل قضيتهم والجنة التي وعدهم بها المهدي وخليفته. و كان أملهم الوحيد في النصر هو استغلال طبيعة الأرض لصالحهم وضرب خطوط الإمداد. بلغت قوات المهدية 10000 مقاتل في دنقلا تحت قيادة محمود بشارة وقوة من 2000 مقاتل تتمركز في صواردة بقيادة حمودة إدريس.

بلغت خطوط إمداد كتشنر أكثر من 800 ميل قبل مغادرته لصرص آخر محطات الجيش المصري جنوباً. وتنوعت وسائل نقله بين السكك الحديدية والبواخر النيلية والقوارب الشراعية.

قرر كتشنر التقدم في شكل وثبات أو مراحل: تبدأ بحشد القوات ثم التقدم والهجوم ثم التمركز مجددا ومد خطوط الإمداد ثم حشد القوات والتقدم ثانية.
فصلت بين قوات الغزو في صرص وقوات المهدية في صواردة حوالي المائة ميل من الأراضي الجرداء الوعرة التي تعرف ببطن الحجر التي تبادل الجانبان إرسال الأطواف إليها.

شجعت نتائج حملة دنقلا على إتخاذ القرار بإعادة احتلال السودان وإنهاء حكم الخليفة. و عاد كتشنر إلى السودان في ديسمبر من عام 1896 بتفويض من حكومته للتقدم إلى أمدرمان. واجه الجيش الغازي نفس التحدي السابق: خطوط الإمداد. حيث تبعد أمدرمان 503 ميلا عن مروى أقصى نقطة وصلها الجيش وتوجد ثلاثة شلالات على النيل قبل امدرمان.

خط السكة حديد:
قرر كتشنر مد الخط من حلفا عبر الصحراء إلى أبوحمد و من ثم إلى بربر ثم أمدرمان. بدلا عن تتبع النيل إلى دنقلا ثم من كورتي إلى المتمة ثم أمدرمان. وبلغت المسافة 200 ميل بين أبوحمد وحلفا في صحراء محرقة خالية من الماء. ورغم أن العمل قد بدأرسميا على الخط في يناير 1897 إلا أنه لم يحرز تقدما إلا بعد اكمال الخط الأول إلى دنقلا في شهر مايو من نفس العام وتحويل القوات العاملة عليه إلى الخط الجديد. وحالف كتشنر الحظ في العثور على المياه في نقطتين على الطريق. وتقدم العمل بسرعة كبيرة حيث قطع نصف المسافة بحلول منتصف يوليو ثم توقف بانتظار احتلال أبو حمد قبل التقدم. و هنا قام المهديون بخطأ كبير إذ لم يحاولوا ولو لمرة واحدة تخريب الخط أو تأخير العمل وهو ما كان كفيلاً بإعاقة تقدم الغزاة بشكل كبير..

.استخدم كتشنر زوارقه لقصف قوات محمود ود أحمد في المتمة لعدة مرات في أكتوبر ونوفمبر. و في 31 أكتوبر وصل الخط الحديدي إلى أبو حمد وفتح خط الإمداد من مصر ليزيل قدرا كبيرا من المخاطر عن بربر ويسهل الدفاع عنها عند الحاجة. و في نوفمبر ظهرت شلالات غير معروفة عند انحسار النيل على بعد أربعة أميال شمال مقرن نهر عطبرة مع النيل. وأبقى كتشنر الأسطول النهري جنوب الشلال وأنشأ قاعدة أو حصنا عند موقع مدينة عطبرة احتوى على مرسى نهري وقاعدة للصيانة والإمداد. و تطورت لتصبح القاعدة الرئيسية لحشد القوات المتقدمة نحو أمدرمان.

في السادس عشر من أكتوبر تقدم كتشنر باستقالته للمندوب السامي اللورد كرومر وذلك لخلافات عميقة مع مدير الشئون المالية بالقاهرة لاعتراضاته المستمرة على تكاليف الحملة المتزايدة. وبعد اجتماعه مع كرومر وتزويده بالدعم اللازم عاد كتشنر عن استقالته وعاد لقيادة الحملة.
سلم الإيطاليون كسلا للحكومة المصرية وانسحبوا نحو مستعمرتهم في إريتريا في 24 ديسمبر 1897.

تأخر الخليفة في تحريك القوات الرئيسية من أمدرمان لمواجهة الغزو. وذكر بأن ذلك لاشتداد التنافس بين عثمان شيخ الدين والأمير يعقوب على قيادة الحملة المقترحة مما حدا بالخليفة لإلغاءها حلا للخلاف. و اخيرا تحرك محمود ود أحمد بجيشه من المتمة ووصل العالياب في 18 مارس 1898 وانضم إليه عثمان دقنة بقواته من الشرق. وفي 20 مارس عسكر جيش محمود في النخيلة على نهر عطبرة وأنشأ معسكراً حصينا. تحرك كتشنر بقواته وعسكر في رأس الهودي على بعد 20 ميلا من النخيلة. و بدأ الانتظار حيث انتظر كل من الجيشين تحرك الآخر للهجوم وأرسل كتشنر زوارقه لقصف المتمة حيث دمرت مستودعات الغلال لجيش محمود وحررت 650 من أسرى الجعليين من النساء والأطفال الذين أسروا بعد مذبحة المتمة. و بدأ الجوع يؤثر في جيش الأنصار.

تقدم كتشنر ببطء في الرابع من أبريل وهاجم معسكر محمود في 8 أبريل 1898 و في معركة استمرت لساعتين اجتاح الغزاة معسكر الأنصار وتشتت كامل جيش محمود ود أحمد البالغ 12000 مقاتل حيث قتل منهم 3000 آلاف وانسحب عثمان دقنة إلى القضارف مع 4000 آلاف رجل وتشتت شمل البقية. و أسر محمود ود أحمد نفسه. مقابل 560 قتيل من الغزاة.

معركة كرري:
قرر الخليفة الدفاع عن أمدرمان وبدأ ببناء الطوابي على ضفتي النيل وتجمع الأنصار في امدرمان ليبلغ عداد الجيش 60 ألف مقاتل. تقدم كتشنر حتى وصل امدرمان وبدأ في قصفها وأصاب قبة المهدي باضرار كبيرة وعسكر في شمال امدرمان. و بعد صبح يوم 2 سبتمبر 1898 زحف الأنصار باتجاه معسكرات الغزاة لتحصد الاسلحة الحديثة والتدريب العالي صفوفهم صفا صفا حتى انجلت المعركة عن خسائر فادحة للأنصار انسحب اثرها الخليفة جنوبا واحتل كتشنر الخرطوم وامدرمان. عرفت المعركة في السودان بمعركة كرري و عند الإنجليز بمعركة امدرمان.

وفي 19 يناير 1899وقعت الحكومتان المصرية والبريطانية على اتفاقية تقضي بالسيادة المشتركة على السودان (الذي سمي بالسودان الإنجليزي المصري)عرفت باتفاقية كرومر- بطرس. اعترفت الإتفاقية "بالجهود المشتركة" ماليا وعسكريا التي قادت إلى فتح السودان. و بالاعتراف بالحقوق البريطانية في السودان المبنية على "حق الفتح". وعليه يرفع العلمان البريطاني والمصري معاً في السودان. قضت الاتفاقية بترشيح حاكم عام من قبل بريطانيا على أن يعين بمرسوم ملكي مصري. وللحاكم العام كل السلطات التشريعية والمالية على البلاد. من الناحية العملية جعلت الإتفاقية السودان دولة مستقلة تحت إدارة الموظفين البريطانيين يعاونهم صغار الموظفين المصريين.

عارض المصريون الوطنيون المعاهدة بشدة لاعتقادهم أن الخديوي قد تنازل عن السيادة المصرية على السودان لبريطانيا....!!

خريطة السودان المصرى الانجليزى..