فاروق عطية
1ـ السلطان حسين كامل:
 هو حسين كامل ابن الخديوي إسماعيل، عاش فى الفترة بين عامى (21 نوفمبر 1853– 9 اكتوبر 1917م)، وهو ثامن حكام مصر من أسرة محمد على باشا، وأول من ولى السلطنة بعد الدولة الخديوية، نُصِّب سلطانًا على مصر بعدما عزل الإنجليز ابن أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني.
 
   عندما بلغ الثامنة من عمره أدخله والده المدرسة التي أنشأها بقصر المنيل لأنجاله وأبناء أعيان مصر، وتعلم القراءة والكتابة ومبادئ بعض العلوم، واستمر في الدراسة حتى افتتحت المدارس الأميرية فنُقل إليها، ثم أنتقل إلى المدرسة التي أنشأها والده بالقلعة، ثم مدرسة قصر رقم (3) بالإسكندرية. في عام 1868م سافر إلى باريس وأقام في بلاط نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، وصديق والده، وتولى الجنرال فليرى معلم الفروسية لدى الإمبراطور نابليون الثالث تربيته، وكان يرافق الأمير حسين بفرنسا أساتذة أتراك وعرب. عاد لمصر عام 1869م أثناء افتتاح قناة السويس، وكان مرافقًا (ترجمانًا) للإمبراطورة أوجيني قرينة نابليون الثالث في صعيد مصر.                       
                               
  قبل تنصيبه سلطانا تم عرض العرش علي الامير محمد على توفيق شقيق الخديوى عباس حلمى فأبى ورفض أن يقبل ان يتولى العرش بعد خلع اخية. ومن هنا وحتى لايثير الانجليز المصريون، عادوا إلى قاعده قانونية تبرر هذا التغيير دونما حرج وهي الرجوع الى القاعده التى ضمنتها الفرمانات العثمانية لمحمد على باشا من حيث احقية اكبر العائله فى وراثة العرش وهى القاعده التى حصل الخديوى اسماعيل على فرمان بتغييرها الى اكبر اولاده، وبذلك تم لهم تعيين حسين كامل سلطانا. وقد تم اختيار السلطان حسين كامل على قاعدة اكبر امراء الاسره سنا حيث كان يبلغ سنة 65 عاما.
 
 ففى 18 ديسمبر 1914م أُعلنت الحماية البريطانيه على مصر وزوال السياده الاسمية التركيه وتعيين هنرى مكماهون مندوبا ساميا بمصر. وفى 19 ديسمبر اعلنت انجلترا عزل الخديوى عباس حلمى لعدم ثقتها به نظرا لإعلانه تأييد السلطان العثمانى فى حريه ضد الإنجليز، وتعيين عمة الامير حسين كامل سلطانا على مصر ومُنح خديوى مصر لقب السلطان ليتساوى مع السلطان العثمانى تأكيدا لقطع الروابط مع تركيا، ويلاحظ أن لقب "سلطان" هو نفس لقب رأس الدولة العثمانية.
 
بعد أن خلع الانجليز الخديوى عباس عرضوا عرش مصر على ساكن الجنان حسين كامل باشا، (بعد رفض الأمير محمد علي توفيق). أخطر حسين كامل ملهن شيتهام خطورة إمكانية إعلان الحماية، لما يترتب عليها من تأجيج الشعور الوطني، واندلاع أعمال العنف، وتحفظ في قبول المنصب، إلا إذا منحت إنجلترا مصر استقلالاً ذاتيًا بعد فصلها عن الدولة العثمانية، وقد قررت إنجلترا إرجاء الحماية مؤقتًا، وفرضت الأحكام العرفية لمواجهة أعمال العنف المتوقعة.
 
ولما لاحظوا تردده صارحوه بأنه اذا رفض فأنهم سيعرضون عرش مصر على احد زعماء المسلمين الذى ليس بالضرورة ان يكون مصريا وذكروا اسم أغا خان وكأنهم ارادوا اخبارة بأن هذا الرفض سيؤدى الى انتقال مقاليد الحكم بعيدا عن احفاد محمد على وانهم مستعدون لاعطائة الى ايد اجنبية حتى ولو كانت هندية، وانطلقت هذه الشائعه وقد تم بالفعل استدعاء أغا خان للحضور الى القاهرة، وقد حضر يوم 19 ديسمبر 1914م وهو يوم اعلان تولى السلطان حسين كامل عرش مصر.
 
ولعل الانجليز ضغطوا بمعلومات وصوله وقرب وصول الباخرة الاسكندرية لكى يدفعوا حسين كامل الى قبول العرش، والمثير للدهشة أن أغا خان حضر بالباخرة من الهند ووصلت الباخرة الى الاسكندرية فى 19 ديسمير ( يوم تولى حسين كامل السلطنة). وقد تم استقباله بحفاوة منقطعة النظير واوعز الانجليز الى احمد يحى باشا احد عظماء الثغر بدعوة وجهاء الاسكندريه الى حفل تُلقى فيها خطب تشيد بمناقب اغا خان، وكان ذلك لاقناع امراء البيت العلوى بعدم ترك العرش يفلت من ايديهم.
 
وشعر حسين كامل باشا ان دقة الموقف تستدعى الاستئناس برأى من يسعه الاعتماد على مشورته والاتكال على نصيحته فقصد زيارة محمود سليمان باشا فى داره بشارع الفلكى وكاشفه بالموضوع طالبا منه ان يدرس الأمر ويدلى الية برايه، فكان رأى الشيخ الوقور أن الحكمة والوطنية تقضيان قبول العرض، فقال حسين كامل " ولكنى اخشى أن يقال اننى اغتصبت عرش ابن شقيقى أثناء غيابه " فقال له الشيخ: "اننى اخشى ما هو ابعد من ذلك واعظم منه اثرا، أننى اخشى لو استمر ترددكم ان نفقد الحكم فلا تخرج مقاليد الحكم من يد ابن اخيكم فقط بل من ابناء محمد على كلهم"، وخرج سموه واعدا بأنه سيعمل برأي الشيخ ويقبل السلطنة.
 
ومع الإصرار البريطاني قبل حسين كامل المنصب حرصًا على بقاء أسرة محمد علي في الحكم، فهو لم يظفر من بريطانيا بوعود سوى استمرار لقب السلطان بصورة وراثية في أسرة محمد علي، على أن يعقب ذلك وضع نظام لتوارث العرش. وبناء على قبوله وجه الى سموه المستر"ملهن شيتهام" القائم باعمال المعتمد البريطانى رساله هامه بناء على تكليف من وزير الخارجية البريطانيه قال فيها:" يا صاحب السمو لدى حكومة جلالة الملك (ملك بريطانيا) أدله أكيدة على ان سمو عباس حلمى باشا خديوى مصر السابق قد انضم الى اعداء جلالته، وبذلك تسقط الحقوق التى كانت لسلطان تركيا وللخديوى السابق وبزوال السياده العثمانيه تزول ايضا القيود التى فرضت على عدد أفراد جيش سموكم وحقكم فى الانعام بالرتب والنياشين" .     
 
   وفى 21 ديسمبر اجتمع مجلس الوزراء لاول مرة بعد تولى السلطان تحت رئاسته وفى قصر عابدين وقرر الغاء وظيفة قاضى قضاة مصر (العثمانى) ومعنى هذا قطع آخر علاقات مصر بتركيا.
 
قبل تولي حسين كامل السلطة سبق له أن تولى نظارة الأشغال العمومية، فأنشأ سكة حديد القاهرة حلوان، ثم نظارة المالية فرئاسة مجلس شورى القوانين. في 2 مايو 1875م تولى نظارة البحرية، فضلاً عن نظارتي الحربية والأشغال. كما تبوأ منصب مفتش عام أقاليم الوجهين البحري والقبلي عام 1872م، واتخذ من مدينة طنطا مقرًا لديوانه، وأشـرف شخصيًا على سيـر حكام الأقاليـم، وعلى أحـوال الفلاحـين والزراع، حتى لقب "بأبي الفلاح" أو "أمير الجناينية"."
 
 عقب عزل والده الخديوِ إسماعيل عام 1879م رافقه في رحلته إلى إيطاليا، وأقام معه عدة سنوات، ولم يعد لمصر إلا بعد انتهاء هوجة عرابي عام 1882م. كلفه الخديوي توفيق لاستقبال كلاً من الملك إدوارد السابع، ولي عهد بريطانيا آنذاك، الذي حضر لمصر عام 1889م، والقيصر نيقولا الثاني الذي حضر لمصر عام 1890م (كان وليًا لعهد روسيا آنذاك).
 
 تولى السلطان حسين العرش من المستر ملهن شيتهام وكان حكام مصر يرتقون الى عرش ابائهم بفرمان سلطانى من الخليفة يحمله مندوب سام من الخليفة، لذلك لاقى تعيين الانجليز حسين كامل سلطانا رفضاً شعبياً، نتيجة لرفض الشعب المصري لأسلوب ولايته على حساب الخديوي المعزول الذي كان المصريون يستشعرون ولاءه لبلده، ولم تظهر علامات البهجه من الشعب فهو من وجهة النظر المصرية لا يمثل سيادة مصر بل يمثل سيادة الدولة الحامية مما يعد امتهانًا لكرامة الأمة واستقلالها الوطني، واقتصر الاحتفال على الوزراء والامراء والاعيان ومستخدمى الحكومة. 
 
   ولكن مع مرور الوقت وبدء عظمة السلطان فى المرور على المدارس وتشجيع الطلبه المتفوقين بمنحهم جوائز قيمه ومِنح سلطانيه كان اثرها لدى الطلاب كبيرا، واخذ السلطان ينتهز كل فرصه للتودد الى شعبه بسائر طبقاته وبدأت القلوب تنجذب اليه وتحبه.
 
   وفى 28 يناير 1915م هاجم الاتراك الجيوش الانجليزيه على قناة السويس، وفى ليلة 2- 3 فبراير حاول الاتراك عبور القناه وقد احبط محاولتهم الضابط المصرى ملازم اول احمد افندى حلمى، حين مد الاتراك جسرا للعبور على مراكب من الالومنيوم تركهم الملازم اول احمد افندى حلمى حتى اتموا بناء الجسر وبدأت قواتهم تتجمع وهم يظنون انهم فى مأمن، وعندما بدأوا العبور انتظر حتى انتظمت قواتهم على الكوبرى واطلق مدفعيته فهزمهم هزيمه منكره، وقد استشهد هو فى المعركه ومنح السلطان نياشين وميداليات لافراد القوه المنتصرة.
 
   لقد عمدت الحركة الوطنية في مصر خلال حكم السلطان حسين كامل إلى العمل السري، واعتمدت العنف فتعددت محاولات اغتيال الوزراء والمسؤولين بل السلطان نفسه. ورغم نجاح الساطان حسين كامل فى جذب طبقات الشعب اليه الا انه كان هناك من بقى على عدائة القديم وعشقه لعبودية الخلافة العثمانية، ففى 9 ابريل 1915م حاول محمد خليل تاجر الخردوات بالمنصوره اغتيال السلطان فى الساعه الثالثه والنصف بعد الظهر فى لحظة مرور عربة السلطان بشارع عابدين بالقاهرة، أطلق الجاني عيارا ناريا لم يصب السلطان وانما اصيبت العربه فقط وحوكم المعتدي عسكريا وحكم عليه بالاعدام.
 
 وفى 9 يونيه 1915م اثناء ذهاب عظمته من قصر رأس التين بالإسكندرية الى مسجد سيدى عبد الرحمن لتأدية صلاة الجمعه القيت على موكبه قنبله من احد النوافذ، فسقطت على ظهر احد جياد العربه السلطانيه ثم وقعت على الارض ولم تنفجر وانحصرت الشبهه فى شابيين تم محاكمتهما امام المجلس العسكرى وحكم عليهما بالاعدام وخفف عظمته الحكم عليهما الى السجن المؤبد.
 
 ويمكن القول إن السيطرة البريطانية على مصر أصبحت كاملة إبّان عهد السلطان حسين كامل، فقد أمست مصر هي القاعدة البريطانية الرئيسية التي تنطلق منها العمليات الحربية لمواجهة القوات العثمانية في مختلف الاتجاهات، ويمكن القول أن الإنجليز حكموا البلاد مباشرة، وسخروا اقتصاد مصر وإنتاجها لصالح المجهود الحربي البريطاني، مما كان له انعكاساته على المصريين. وألغيت وزارة الخارجية المصرية، وكان الاتصال بالدول الأجنبية يتم عن طريق المعتمد البريطاني، وظل الأمر هكذا من عام 1914م حتى أعيدت الوزارة في مارس 1922م. شكلت في عهده وزارة حسين رشدى باشا الثانية (19 ديسمبر 1914–9 اكتوبر 1917م). 
 
   كان للسلطان حسين كامل زوجتان، الأولي هي: إبنه عمه الأميرة عين الحياة أحمد ابنه أحمد رفعت باشا بن إبراهيم باشا وأنجب منها الأمراء كمال الدين حسين والأميرة كاظمة والأميرة كاملة والأمير أحمد كاظم. والثانية هي: السلطانة ملك جشم آف وانجب منها الأميرة قدرية والأميرة سميحة والأميرة بديعة.
 
أدرك السلطان الجُرم الذي ارتكبه في حق شعبه، بقبوله تولية العرش تحت الحماية البريطانية، لذلك بدأ يصرح علنياً بأنه ضد السياسة البريطانية في مصر، ولذا وقع الجفاء بينه وبين السير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني، مما حدا بالحكومة البريطانية إلى استبداله بمندوب آخر في نوفمبر 1916م، وظل السلطان حسين يحنق على السياسة البريطانية والموظفين البريطانيين حتى نهاية حكمه، كما سعى الى اصدار قانون لوراثة العرش ولكن القدر لم يمهله، ففى اوائل اكتوبر سائت صحتة وتوفى فى 9 اكتوبر 1917م بقصر عابدين، ودفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة بجوار قبر أبيه، ويُعدّ قبره أكبر مقابر مسجد الرفاعى وأكثرها فخامة. ولم يدم حكمه سوى سنتَين وتسعة أشهر وسبعة عشر يوما، مات ولم يقم بعمل كبير فى مدة سلطنته. وتنازل ابنه الأمير كمال الدين حسين عن حقوقه في تولي العرش، وبذلك تم تنصيب عمه السلطان أحمد فؤاد الأول سلطنة مصر من قبل السلطات البريطانية.