د. محمود العلايلي
تزداد الإشكاليات الحقوقية تعقيدًا كلما ابتعدنا عن أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، حيث نجد أن أغلب الدول الأخرى إما لديها بعض التحفظات على بعض مواد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، أو لديها إشكاليات فى ممارسة الحريات وحقوق الإنسان، وهى الأمور التى غالبًا ما توضع فى المقام الأول لدى المعارضين السياسيين للدولة بشكل عام، حيث يعد هذا نمط المعارضة فى النظم الديكتاتورية أو فى النظم شبه الديمقراطية والديمقراطيات الشكلية، لأن المعارضة فى الدول الديمقراطية تعتمد فى المقام الأول على النظام الحزبى، ومن ثم تقوم على صراع الأفكار والأيديولوجيات، خاصة ما يتعلق بالأمور الاقتصادية وما يتبع ذلك من تعليم ونظام صحى، وهى الأمور التى تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، بينما يقتصر دور المنظمات الحقوقية على العمل على إيصال أفكار الحريات وحقوق الإنسان لمواطنى دولهم ورقابة أى تراجع فى الممارسات الرسمية، بالإضافة إلى أن بعض المنظمات الحقوقية فى الدول الديمقراطية توجه عملها ناحية الرقابة والانتقاد لملفات الحريات وحقوق الإنسان فى الدول الأخرى.

وبعيدًا عن توجيه الاتهام لأى من الأطراف، يجب أن نحاول توضيح توصيف كل طرف ونظرة كل منها لملفى الحريات وحقوق الإنسان إذا أردنا دراسة الصورة وفك الإشكالية، فمصر من الدول التى تعد الديمقراطية فيها غير كاملة الممارسة، وتعد التجربة الحزبية فيها من التجارب التى تتعرض للإجهاض المستمر، ولذلك فإن المعارضة السياسية فيها تقتصر على الملفات الحقوقية على حساب المعارضة السياسية الحقيقية.. والنقطة الأخرى هى نظرة المواطن لهذه الملفات التى تعد بالنسبة للغالبية العظمى ملفات نخبوية لا تمثل أى اهتمام لجموع المواطنين الذين تمثل لقمة العيش وعناء البحث عنه أولويتهم القصوى، حيث تتضاءل بجانب ذلك تلك الملفات التى يعتبرونها ترفًا لا يعبر عنهم ولا يبحثون عنه، بينما تنظر الدولة إلى ملفى الحريات وحقوق الإنسان بشكل انتقائى بحسب الحالة السياسية أو الاقتصادية، ويتعاملون معه بشكل إعلامى أكثر منه تطبيقًا عمليًا بذريعة التهديدات الأمنية والمشكلات السياسية، حيث تمرر الدولة ما تريد تمريره، وتعطل ما ترغب فى تعطيله حسب الحاجة الوقتية وليس ضمن منظومة واضحة ومعلنة، وباتباع القوانين والنظم.. أما الطرف الذى يعتبره العديدون أهم أطراف هذه الإشكالية، فهو المنظمات الحقوقية الدولية التى تعتبر نفسها فى الغالب وصية على هذه الملفات من ناحية، وتعتبرها الدول المقصودة بالتقارير متدخلة فى شؤونها السياسية الداخلية من ناحية أخرى، وهما الأمران اللذان لا يخلوان من الصواب فى أغلب الأحيان، ولذلك لا نعفى بعض تلك المنظمات من شبهة التدخل السياسى، ولا نعفى الدولة أيضا من الاتهام بالتضييق على الحريات وتجاوز حقوق الإنسان فى الكثير من الأوقات.

أما الإشكالية الأهم فى الحالة المصرية، فهى أن الدولة غالبا ما تقتصر ردودها الرسمية على تلك التقارير باتهام المنظمات والبرلمانات الدولية بتسييس الملف وتوجيهه وتهميش الرد على مضمون التقرير، وهو النسق الذى يتبعه الإعلام المحلى تلقائيًا.. وهذه النقطة الثانية أخطر من سابقتها، حيث تركز الدولة بالرد على هذه التقارير فى الإعلام المحلى، وهو الأمر الذى لا يحسن من الملف داخليًا، ولا يؤثر فى خلق رأى عام دولى.. أما النقطة الثالثة فهى أن الدولة لا تتعامل مع ملاحظات تلك المنظمات كنقاط يمكن أن ترتكز عليها فى تحسين ملفى الحريات وحقوق الإنسان، معتبرة أن الأزمة تنتهى بالرد الرسمى مسنودًا بالصراخ الإعلامى.. بينما تستمر الضغوط الدولية لأسباب سياسية مغرضة أحيانًا، أو لأسباب إنسانية محايدة أحيانًا أخرى، وهى الضغوط التى يتحدد تأثيرها بحسب حالة الدولة اقتصاديًا ووضعها السياسى فى المجتمع الدولى.
نقلا عن المصرى اليوم