عاطف بشاي
لأن عظماء الفن رغم الغياب ورغم أنف طائر الموت الكريه الذى ينقض ليسلبهم الحياة فهم باقون يتحدون الزمن والاندثار بأعمالهم الفنية الخالدة فيظل «وحيد حامد» رابضاً فى الوجدان راسخاً فى الذاكرة.. وستظل المعارك الضارية التى خاضها ضد طيور الظلام وخفافيش التكفير وأعداء الحياة من المتشددين والسلطويين والإرهابيين حاضرة وشاهدة على صدق رسالته الإنسانية والوطنية.. وعمق رؤيته الفكرية وجمال وسحر إبداعاته الفنية السينمائية والتليفزيونية.. وشجاعته الآسرة فى الطرح والتناول الفنى الذى يسقط فيه الأقنعة الزائفة عن فساد المفسدين وتطرف الأشرار وعورات الأنظمة وأصحاب النفوذ والأفاقين والدجالين والمتاجرين بالأديان منذ فيلم «البرىء» و«طيور الظلام» و«اللعب مع الكبار» و«الإرهاب والكباب» و«المنسى» و«الغول» وحتى مسلسلات «العائلة» و«أوان الورد» و«الجماعة»..

أتذكر أنه عندما عرض مسلسل «أوان الورد» بادر بعض المتشددين برفع دعاوى قضائية باتهامات الإساءة إلى العقيدة المسيحية.. وصدر الحكم بحسم براءة العمل الوطنى الجرىء.. فى نفس الوقت الذى دعا فيه قداسة البابا شنودة «وحيد حامد» وفريق العمل إلى حفل إفطار فى إشارة واضحة إلى أن الذين أقاموا الدعاوى القضائية تلك لا يعبرون عن رأى القيادة الكنسية فى مصر.. وعلى إثر ذلك أقامت دار «روزاليوسف» ندوة ضمت صناع العمل وعددا من النقاد والمفكرين والفنانين مسيحيين ومسلمين، أشادوا بالإجماع بأن المسلسل هو أول عمل يحتوى على شخصيات قبطية تطرح قضاياهم بقوة على خريطة إعلام التليفزيون المصرى.. وقال وحيد حامد إن الخطورة الحقيقية تكمن فى مصادرة الفكر أو السعى إلى ذلك.. ومن يفعل ذلك أخطر من القاتل لأنه يمنع الرؤية عن الشعوب المتعطشة للحرية.. وذلك شىء بشع جداً ويجب أن يجرم..

وقلت أنا وقتها فى الندوة إن المتشددين يرون أن رسم الشخصيات عند «وحيد حامد» لابد أن تظهر الشخصية المسيحية بحيث تكون مثالية وجميلة ورقيقة دون أن يعلموا أن هذه ليست وظيفة الدراما.. وقلت لـ«وحيد» لا تحزن لأنى أعلم أن حزنه ينبع من فكرة أنه بينما كان من المفروض أن يسعد المهمشين بوجودهم على الشاشة إذا بهم يعترضون ويثيرون المشاكل.. والحقيقة أنه نوع من عدم التعود على التواجد أو الظهور.. بينما الفن الحقيقى هو الذى يكشف المستور ويعرى النقائص البشرية وينحاز إلى التنوير فى مواجهة المتطرفين.. لكن رحلة «وحيد» الشاقة فى النزال والنضال من أجل التنوير ضد الفساد السياسى والمجتمعى وضد الفاشية الدينية..

هذه الرحلة – وهى مفارقة مؤلمة – لم تسلم من هجوم بعض المثقفين المتحذلقين من النقاد وأهل الفن الذين ادعوا أن «الجماعة» بقلم «وحيد حامد» قد روجت للإخوان حيث أسبغ على شخصية «حسن البنا» كاريزما تمثل خطراً داهماً على الأثر المطلوب تحقيقه من خلال المسلسل، لأنه يجعل منه شخصية ساحرة خلابة آسرة تبهر العقول مما يشى بخطأ كبير وقع فيه «وحيد حامد».. هذا الادعاء يدين مروجيه ويوصمهم بعدم الفهم الصحيح لفن رسم الشخصية الدرامية بأبعادها النفسية والاجتماعية والفكرية المختلفة.. ففى الدراما الجيدة لا يكتب المؤلف المبدع تفاصيل الشخصية انطلاقا من حب أو كره مسبق لها.. ولا يتخذ منها موقفاً أخلاقياً مجدداً.. ولا يشرح لنا موقفه منها... ولا يحثنا على إدانتها أو محاكمتها.. وإلا تحولت إلى شخصية نمطية كرتونية بلا روح أو عمق.. و«وحيد حامد» مبدع كبير وليس من أولئك الذين يحددون مسبقاً إن كانت الشخصية طيبة أم شريرة.. وما كان أسهل عليه أن يرسم شخصية «حسن البنا» كما تعودوا فى الدراما الرديئة فظاً قاسياً متجهماً يرفع حاجبه الأيمن ويجحظ عينيه فيتطاير الشرر منها.. ويصرخ فى انفعال هادر فتنفر العروق من رقبته ويصبح نموذجاً شريراً يدعونا إلى كراهيته والنفور منه..

لقد نجح «وحيد حامد» فى فضح هذا التنظيم الدموى الكريه بفكرهم وأغراضهم المنحرفة نجاحاً كاسحاً جعلهم لا يستحون من تدشين «هاشتاجات» تلعنه بعد رحيله، شامتين رغم جلالة الموت.


Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم