د. مينا ملاك عازر

تفتكر حضرتك، إيه سر القلاقل في شرق المتوسط الغاز الطبيعي؟ سبب برضه يبرر التقاتل والتناحر، لكن في رأيي أن هذا سبب كاشف، سبب يعتبرونه الناس القشة التي قسمت ظهر البعير. 
 
في رأيي، أن أطماع تركيا لاستعادة بريقها كدولة كانت متزعمة المنطقة ومحتلة لكل دولها أمر لا يمكنني أبداً تجنبه أو غض النظر عنه بأي حال من الأحوال، لكنه أبداً لم ولن يكن السبب القاطع، فهو في النهاية مثله مثل سابقه من الأسباب.
 
ترى تداخل الحدود البحرية بين الدول؟ هذا صحيح ولكن ليس صحيح بشكل مطلق فربما يمكن للدول أن تكون حدودها متداخلة بدرجة أو بأخرى خاصة في بحر كبحر أيجه متداخل الجزر، متناثر الملكيات بين تركيا واليونان، لكن بين تركيا ومصر مثلاً أو تركيا وليبيا فالأمر مستبعد، هذا وإن سلمنا به، لا يمكننا أبداً بأي حال من الأحوال اعتباره السبب القاطع والباتر في تلك الوقيعة الواقعة في شرق المتوسط.
 
ترى تلك الجريمة القانونية والجغرافية التي يقترفها النظام التركي بل يحافظ عليها وعلى إرثه فيها من تكوين دولة لا يعترف بها أحد دولياً وهي قبرص التركية منذ عام 1974 وحتى الآن، ما يجعل هنا تلاحم في الحدود من وجهة نظر ورفض في وجهة النظر الأخرى الغير معترف بوجود تلك الدولة، وذلك الاقتطاع من جزيرة قبرص حتى وإن سلمنا بهذا فهذا لا يزد عن كونه مرة أخرى سبب من ضمن حزمة أسباب تشكل الصراع على صفحات ماء شرق المتوسط.
 
في أغلب الظن أن السر يكمن في صعود وانهيار، صعود قوة وانهيار أخرى، فالقوة التي تنهار اقتصادياً وتتداعى بسبب اقتصادها، وتخلي حكامها الحاليين عن دعوات الديموقراطية ودستورها الحر واستخدامها للقمع والتنكيل بالمعارضين والمخالفين سبيلاً لها، وتدخلها المستمر في شئون غيرها من الجيران لمداراة فشلها في الكثير من الملفات وسقوطها، وتدهور حالتها الاقتصادية، وفقر أفكارها وترديها، وطردها من دول كثيرة لفظها شعوبها، كانت تحلم أن ترتكز عليها لتعيد أمجاد خلافة مزعومة، وسيطرة منكوبة في نفس الوقت الذي نرى مصر دولة يصعد نجمها يحترمها العالم عسكرياً، ويتعافى اقتصادها ويتنامى مدها الفكري والاقتصادي والثقافي خارج حدودها بنعومة بالغة دون أن تؤرق أحد ولا تفعل إلا استجابة لدعوات شعوب وحكومات الدولة التي تمتد إليها، فتدخلها قانونياً ولا تنشد إلا الاستقرار في حياة جيرانها لتنشده لديها، من هنا يأتي الصدام المرير بين القوتين الشرق متوسطتين، واحدة ينفك من حولها كل حلفاءها القدامى ويستحيلوا لخصوم، والأخرى الصاعدة يلتف حولها الجميع ويؤيدون سلوكها في كل المجالات ويدعمون مواقفها في كل القضايا، ومن هنا تأتي مسألة الثروات وادعاء الأيدولوجيات وأحلام النفوذ واسترجاع الأمجاد شيء من كل يدفع المنطقة للتصارع، لن يتوقف ذلك الحلم المحموم إلا بسقوط تلك الدولة التي قاربت على السقوط، وهنا يستقر الجميع باحترامهم القانون الدولي وتطبيقهم الخرائط المحترمة دولياً.
المختصر المفيد يجب على كل واحد أن يحتل مساحته الخاصة دون أن ينظر لخارج مساحته.