طارق الشناوي
لا أتذكر سوى أن بينى وبينه لقاءات عابرة لم تتجاوز أصابع اليد، آخرها، ربما قبل بضع سنوات مداخلة تليفزيونية، شعرت من صوته فى البداية بالتوجس والتمست له العذر، لأن هناك انطباعا سائدا أنى فى الأغلب سوف أنتقده، وبددت كل مخاوفه مع أولى كلماتى وفى لحظة وجدت فيضا من الدفئ والحب والتقدير تحيطنى به كلماته.

هادى لا يمكن تصنيفه تحت أى مسمى مباشر كوميدى أو تراجيديا، هو فقط ممثل موهوب.

كنت أراه ينضج على نار هادئة، إنه الاسم الخامس فى (مدرسة المشاغبين) التى بدأت عروضها الأولى قبل انتصار 6 أكتوبر 73 بأشهر قليلة، وحققت أكبر انتصار جماهيرى على خشبة المسرح، وحققت أيضا أعلى جدل على (الميديا)، ولا تزال العديد من الأقلام تعتبرها سر نكسة التعليم، وهو نوع من الاستسهال، عندما نحمل الفن كل أخطاء الواقع، وبدلا من تغييره نبحث عما هو أسهل، وهو تغيير الفن.

النجاح الاستثنائى أحدث دويا فى الشارعين المصرى والعربى، حيث كان شريط الكاسيت الصوتى فى عز ازدهاره، بالطبع سرق فى البداية المشاغبان عادل إمام وسعيد صالح الكاميرا، ثم استطاع يونس شلبى، بمساعدة ومباركة سعيد صالح، أن يلحق بهما، وبعدهم بمسافة جاء أحمد زكى فى دور (أحمد) الشاعر المحبط الفقير، بينما ظلمت شخصية (لطفى) هادى لا يوجد ملمح متميز من الممكن أن يقتنص منه (إيفيه) ضاحك، بينما عادل (بهجت الأباصيرى) وسعيد (مرسى الزناتى)، ويونس شلبى (منصور ابن الناظر) اللى ما بيجمعش، كانوا هم عنوان المشاغبين، أحمد زكى ظل يشعر دائما بكراهية تجاه تلك المسرحية، وفى العديد من العروض كان يعتذر، وكثيرا ما استعان المنتج سمير خفاجة لإنقاذ الموقف بمحمود الجندى لأداء دوره، بينما هادى الجيار أدرك أن هذا هو قانون المسرح التجارى، غضب مؤكد، وشعر كما وصف نفسه وكأنه مجرد متفرج صعد من مقاعد الجمهور فى الصالة إلى خشبة المسرح، إلا أنه تمكن من استعادة توازنه، واكتشف النصف الملآن من الكوب، وهو أن نجاح المسرحية الطاغى وكل تلك (الإيفيهات) التى يطلقها زملاؤه ستمنحه فرصة لكى يراه جمهور بدائرة أوسع، وعندما بدأت عروض المسرحية تليفزيونيا فرقت أكيد معه.

المسرحية كما صاغها على سالم تعتمد على مساحات مقننة من الارتجال، وليس كل فنان مؤهل لذلك، بل عدد محدود فقط هم الذين لديهم تلك القدرة ويقف مثلا على القمة فى تاريخنا المسرحى كله سمير غانم.

هادى كان يتحرك على الخريطة بإيقاع السلحفاة، يلتقط المساحة المتاحة أمامه، خاصة فى المسلسلات الدرامية، لم تشغله كثيرا حكاية النجومية، أيقن أنه ليس نجما بالمعنى المتعارف عليه، وتصالح نفسيا مع ذلك، صحيح أنه وجه عتابا لأحمد زكى لأنه لم ينفذ الوعد الذى قطعاه سويا فى (المشاغبين) أن من يصل لمرحلة البطولة لا ينسى ترشيح زميله، ولكنه مع الزمن أيضا تجاوز عن ذلك، الدراما التليفزيونية كانت ترى فيه وجوها متعددة، وظل حتى اللحظة الأخيرة مطلوبا، وآخرها مسلسلا (الاختيار) و(موسى) اللذان سيعرضان فى رمضان، ولا أدرى بالطبع ما هى المساحة التى قطعها فى الأداء، ولكنى أتصور أننا سنرى له آخر إطلالتين على الشاشة الصغيرة.

بينما نتابع ما يجرى من تجاوزات واتهامات فى الوسط الفنى تصل للضرب والسكر وتعاطى المخدرات فى (اللوكيشن)، يودعنا اسم هادى الجيار مقترنا بصفة صارت عزيزة المنال حاليا، وهى الاحترام.

tarekelshinnawi@yahoo.com
نقلا عن المصرى اليوم