محمد حسين يونس
في نهاية القرن الثامن عشر كان عدد السكان  في مصر 2.442.200 نفس كما جاء في كتاب (وصف مصر ) وهذا لا يشمل العربان الذين يعمرون الصحراوات و لا يمكن إخضاعهم لتعداد دقيق و إن كان(( مسيو جوبر يقدر عددهم ب 130000 نفس ))
بمعني أن عدد سكان مصر في مدخل القرن التاسع عشركان يدور حول 2.6 مليون نسمة . لذلك كان الفرنسيون يقولون مصر بلد غنية و لكنها تحتاج إلي سكان ليعمرونها..

أهم كتروا وبقوا 100 مليون .. عمروها !!
أغلبية السكان ( 2.1 مليون )..  يعيشون بالريف في 3600 قرية بواقع 534 فرد في كل قرية و الباقي يسكنون المدن أو يجولون بالصحارى .

أى أن سكان مصرالقرن التاسع عشر  كانوا فلاحين يقطنون قرى محاطة في الظهير الصحراوى بقبائل بدوية من الرحل ..
في حين أن  20 % كانوا من سكان المدن .

القاهرة كان يقطنها من 250.000 إلي 260.000 أى حوالي 10% من سكان مصر
كان منهم بالالف ((26 نساء و 75 أطفال )) أى أقل من نصف السكان لا يعملون إلا في مجال الخدمات المنزلية ..

أما الرجال فكانت مهنهم بالالف ((10 من المماليك،6 تجار 4 حرفيين، 25 تجار سريحة ، 5 قهوجية ، 2 خدم ذكور 30 حمالين بالاضافة إلي 44 وظائف إدارية وخدمية ودينية و تعليمية )).

أديان المصريين في ذلك الوقت كانت إسلام سني (مذاهب أربعة ).. مسيحية ( أقباط ، كاثوليك ، أروام ،أرمن ،مارونية) .. يهود طائفة القرائين و لا توجد أديان أخرى .

هذا هو واقع الحال كما وصفه ورصدة الفرنسيون .. عدد السكان هو الاقل علي مدى التاريخ بعد إستعمار عثماني طويل تم فيه إهمال تطورهم أو الاهتمام بتعليمهم و صحتهم ..

وأغلب شعب مصر فلاحون مهددون و منهوبون من عربان يعيشون في الصحارى حولهم.. و مماليك يسيطرون علي المدن ولهم نظام جباية يصل إلي كل فرد في أبعد قرية ينزح ثروة البلاد و عرق الرجال من أجل رفاهية الباب العالي في إسطنبول .

وكانت هناك أديان و ملل متعددة كلها إبراهيمية لا تمثل تناقض رئيسي بين أفراد الشعب و إنما تتسبب في تمييز طبقي و سلوكي بين المسلمين و غيرهم من معتنقي الاديان المخالفة رضي به و إستسلم له الجميع ..

غالبية سكان القاهرة (كمثال للمدن ) نساء و أطفال و رجالة عواطلية يعملون في وظائف هامشية في الغالب هاربين من القرى المجاورة (حمالين و قهوجية و تجار سريحة ) أو في خدمات غير منتجة دينية و تعليمية و إدارية و ترفيهية.

هل تغير الوضع خلال القرنين التاليين ..فلنتأمل ما كتبه الفرنسيون عن المماليك و العربان و الاقباط ..كوسيلة للتعرف علي ما كانت علية خريطة السكان بمصر في مطلع القرن التاسع عشر ..و نقارنها بما نراه اليوم .

1 -  ((الاقباط لهم منشآت دينية بالغة الروعة كما أنهم أنشأوا في مصر العليا علي وجه الخصوص كنائس رائعة و يبدو الصعيد بمثابة مهد لهم فقد كانت أعدادهم هناك علي الدوام كثيرة و لهم مائة دير من بينها خمسة أديرة للنساء ..))

(( ومهارة شعبهم هي مصدر حياتهم وإستطاعوا الاحتفاظ بجزء من العمل الادارى دائما و الخاص بمسك سجلات الضرائب و الدخول و الملكيات أى أنهم الملمون بمساحة مصر و هم كتبة مصر الحقيقيون كما أنهم مساحوها ))..

(( وهكذا أمكن للأقباط أن يتماسكوا في شكل أمة متحدة داخل بلد مهزوم .. و هو أمر نادر في البلاد التي نكبت بالطغيان و الاستبداد )).

2 -  (( تتكون الكتلة الكبرى من الشعب المصرى من عرب إستقروا و إرتبطوا بشكل أساسي بالارض و لا تختلف عادتهم في شيء عن الذين نطلق عليهم إسم المصريين ..

لكن العربان الرحل ينقسمون إلي قبائل جوابة تنقل خيامها من صحراء لاخرى و لا يخضع أبناؤها إلا لمشايخهم و يتجاهلون سلطة الباشا و البكوات ))..
ثم يورد جدولا بأسماء القبائل و مجال حركتهم منهم الهوارة بين أسوان وجرجا و العبابدة جرجا و زناني طهطا .. مع أسماء شيوخهم في ذلك الوقت .

3 -  ((المماليك رغم قلة عددهم حوالي عشرة الاف مملوك إلا أنهم توصلوا بفضل جرأتهم و مزاجهم العسكرى إلي قيادة شعب كبير مع تقييده بالسلاسل من خوف و سحق تحت وطأة إسمهم (مماليك ) الذى يمكن أن يقال بأنه أصبح مثيرا للرعب بسبب كثرة ما أحرزوه من إنتصارات ))..

((ففي كل عام كانت أسواق القاهرة تمتليء بهؤلاء التعساء الذين يتجاوز عدد النساء بينهم عدد الرجال و يميل المصريون إلي تفضيل الزنجيات و يشترى الرجل علي هواه و حسب قدرته إثنين أو ثلاثة أو حتي ستة )).

وهكذا كان المصريون يتكونون من عناصر مختلفة من الصعب إمتزاجها ..بعضها من أهل البلاد الاصليين مثل الاقباط .. و أخرون إما غزاة إستعمروا الارض و إستقروا فيها بعد إزاحة أهلها الذين هربوا بدينهم و تركوها أو قبائل رحل تتحرك في مجالات مختلفة محتفظة بسمات البداوة ..أو عبيد تم شراؤهم من سوق النخاسة .. بعضهم من حول بحر القزوين كمماليك . و البعض من إفريقيا السوداء كخدم وجوارى .

هذه الخلطة لم تذوب في بوتقة الوطنية إلا في الثلث الاول من القرن العشرين عندما إتحدت في مواجهة المستعمرين الانجليز ..أما في الحياة اليومية فلم يتوقف الصراع.

ما الذى جعل هذه الخلطة لا تندمج حتي بداية القرن التاسع عشر ؟عندما كتب الفرنسيون عن مصر .... (هذا هو حديثنا باكر )