مع أفراح عام جديد وميلاد مجيد، يدعونا الكتاب المقدس إلى حياة الفرح الدائم بقوله: «فَلَا تَكُونُ إِلَّا فَرِحًا» (تثنية 16: 15)، ولكن.. كيف نفرح ونحن كثيرًا ما نفتقر إلى الشعور بالسعادة الحقيقية، فقد نفرح ونُسَرُّ يومًا، بينما نحزن ونكتئب أيامًا! وكثيرًا ما نشعر بعدم الرِّضى، حتى لو كنا نحقق الكثير من النجاحات! ولعلنا نسأل أنفسنا فى هذه الأيام بالذات: كيف نفرح والعالم ملىء بالضيقات والتجارب والأوجاع والأمراض والأوبئة، ومنها وباء الكورونا!! الذى يحصد أرواح الناس فى كل العالم، ويصيب آلاف الناس يوميًا، والذى نسمع عنه أنه تحور وأصبح أكثر شراسة، ولا نعرف إلى أين تمضى بنا الأيام!! وكما تقول الترنيمة: «ربى لست أعلم ما تحمله الأيام لى!» ويرد المرنم بسرعة «لكن يا إلهى الحبيب يكفينى شىء واحد ثقتى أنك معى».

 
مقالات متعلقة
 
نحو مزيد من الشكر لإلهنا العظيم
 
شكرًا لله
 
المفهوم الصحيح للقوة
 
ويقول داود النبى فى مزمور37: 5
 
- اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. - سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ.
 
- طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْه. (مزمور8:34).
 
- كذلك يقول سليمان الحكيم:
 
- «تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِد» (أمثال 5:3).
 
وفى سفر يشوع ابن سيراخ: «اُنْظُرُوا إِلَى الأَجْيَالِ الْقَدِيمَةِ وَتَأَمَّلُوا. هَلْ تَوَكَّلَ أَحَدٌ عَلَى الرَّبِّ فَخَزِيَ؟ (يشوع بن سيراخ 11:2).
 
وهناك نوعان من الفرح: فرح الحياة اليومية والفرح الإلهى الحقيقى.. فما الفرق بينهما؟
 
1- أفراح العالم:
 
يفرح الإنسان العادى بأمور مؤقتة وزائلة؛ ولذلك فهو فرح يزول بزوال المؤثر!
 
إنه الفرح بحدث سعيد.. كولادة طفل، أو شفاء مريض، أو النجاح فى امتحان، أو اجتياز مقابلة شخصية بطريقة ناجحة، أو لقاء صديق محبوب، أو الجلوس أمام الشاشة سواء تليفزيون أو كمبيوتر، أو مشاهدة فيلم كوميدى، أو سماع «نكتة» مضحكة.. إلخ. هذا فرح يزول بزوال المؤثر، ولا يستمر معنا بعد ذلك. وهو فرح جزئى يؤثر فى الفكر والنفس والجسد، وقد لا يرقى للتأثير فى الروح.
 
وربما هذا الفرح يشمل أخطاء فى: الكلام أو الانفعال أو السلوك أو شرب المسكرات.. أو غير ذلك. إنه فرح زائل.. ومفسد للإنسان!!
 
فخلال الحياة يحدث نمو طبيعى فى الدراسة والوظيفة والمركز والمرتب والممتلكات، والسعى إلى جمع المال بكل الطرق، وعلى قدر التعب والاجتهاد ينال الإنسان نصيبه من خيرات الدنيا، هذا مهم ولكنه غير كاف، قد تأتى الهموم ويتوارى الفرح ويُفقد السلام وتتعثَّر العلاقة مع الناس ومع الله. وليس من مُنقذ غير أن يرجع الإنسان إلى رشده ويصحح مساره بالتوبة، ويهتم بالآخرة بالإضافة إلى اهتمامه بالدنيا، أى يكون فرحًا وراضيًا بعطايا الله، ومعها التقوى وسلوك الإيمان، «لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ (أى خسر أبديته)». (مت16: 26)
 
ففرح العالم علامته السرور الظاهر، ويرتبط بلذة الجسد السطحية والمسرَّات، والمال، والطعام والمسكن والممتلكات وشهوة الجسد والمركز والسلطة وتحقيق المكاسب المتصلة بالعالم الحاضر. وهذا الفرح قصير العمر، فقد نفقده بعد حين، وإن استمر وتكاثر فهو يفتر بعد حين، وتزيله الهموم، والتجارب، والهزائم، وخوف الغد، والأمراض، والوحدة، وتغيُّر الأحوال، بل حتى الوصول إلى درجة صنع المعجزات، ينبغى ألا يفرحنا!! فهذا ما حدث مع التلاميذ حين أرسلهم السيد المسيح، لما رجعوا «أَخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوا» (لو 10:9). وقالوا له: «حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ» (لو 17:10). فأجابهم الرب قائلًا: «وَلَكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهَذَا: أنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِىِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِى السَّمَاوَاتِ» (لو 20:10).
 
الطموح والسعى إلى الرفاهية والغِنَى مهم، والطمع واللهث لجمع المال قد لا يجلب سوى التعب والآلام. فقد قال أحد الفلاسفة: «فى داخل كل إنسان بئر عميقة من الرغبات لا يشبعها سوى الله تعالى؛ فالله غير المحدود هو الذى يشبع عطش الإنسان مهما كان عظيمًا».
 
علينا أن نسأل أنفسنا:
 
ما نسبة وقت الفرح إلى وقت الحزن فى حياتنا؟
 
ما المعنى المثالى لكلمة فرح؟
 
كيف تقتنى الفرح الدائم بطريقة مثالية؟
 
ما أول ما يأتى لفكرك عند سماع كلمة فرح؟
 
هل اختبرت معنى الفرح الحقيقى؟
 
الآيات الآتية تبين أنه بالرغم من أى شىء، إن كان هناك فرح حقيقى فذلك سوف يدوم، ولا يزول بزوال الحدث، وهذه الآيات:
 
«كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِى كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ». (كورنثوس الثانية 10:6).
 
«فمَعَ أنَّهُ لا يُزهِرُ التّينُ، ولا يكونُ حَملٌ فى الكُرومِ. يَكذِبُ عَمَلُ الزَّيتونَةِ، والحُقولُ لا تصنَعُ طَعامًا. يَنقَطِعُ الغَنَمُ مِنَ الحَظيرَةِ، ولا بَقَرَ فى المَذاوِدِ.. فإنّى أبتَهِجُ بالرَّبِّ وأفرَحُ بإله خلاصى». (حبقوق 17:3-18).
 
هذا هو الفرح الحقيقى.. ما الفرق بينه وبين أفراح العالم؟ وكيف نحصل عليه؟ هذا هو حديثنا الأسبوع القادم إن شاء الله.. وكل عام ووطننا الحبيب مصر وجميعكم بكل خير.
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم