د.ماجد عزت إسرائيل  

في (7 من يناير2021م) احتفل الأقباط الأروذكس بعيد الميلاد المجيد، ولظروف الأوضاع التي يمر بها العالم بما فيه مصر لجائحة كورونا، ولذلك أُقِيمَتْ الكنيسة احتفالاتها بهذا العيد بدير الأنبا بيشوي العامر بوادي النظرون.وفي عظة القداس الإلهي تحدث صاحي القداسة البابا تواضروس الثاني عن"رؤية تأملية عن الفرح بميلاد الطفل يسوع المسيح في بيت لحم اليهودية".وقد لخصها قداسته في خمس محاور هي:من أمنا العذراء الخلاص يعطي فرحًا، من القديس يوسف النجار المسئولية تعطي فرحًا، من الملائكة التسبيح يعطي فرحًا، من الرعاة البساطة تعطي فرحًا، من المجوس المشاركة تعطي فرحًا.
 
والآن عزيزي القارىء أتركك مع هذه العظة التاريخية لكي تتعرف على"الفرح" بالميلاد العجيب.
 
بِسْم الآب والابن والروح القدس تحل علينا نعمته ورحمته من الأن وإلى الابد آمين.
ونحن نحتفل أيها الأحباء بعيد الميلاد المجيد إنما نحتفل احتفالًا خاصًا لأن هذا العيد نفتتح به اعيادنا في السنة الميلادية، وهذا العيد عيد الميلاد والذي يحتفل به العالم كله أنما هو أحتفال بدخول الفرح إلى العالم، كان العالم قبل ميلاد السيد المسيح لا يشعر بفرح حقيقي كان العالم يعيش بعيدًا عن الفردوس، فحتى الأبرار الذين عاشوا كان الفردوس أمامهم مغلقًا وكان الطريق الوحيد أمام البشر هو إلى الجحيم وكانت حياة الإنسان تدور حول الذبائح المتكررة لعلى الله يرضى ويقبل وكان تكرار هذه الذبائح يعني أنها ذات نفع مؤقت وصار العالم في حالة تخبط وتعدي على الوصية وانتشرت الوصية وانتشر الضعف في حياة البشر واحتاج الإنسان أن يكون فرحًا ليشعر بإنسانيته، وكان الفرح في ميلاد السيد المسيح فالإنسان بدون المسيح فاقد الفرح والسعادة الداخلية وإن كانت الدول تعمل من أجل رعاية الشعوب أما السيد المسيح فجاء من أجل رفاهية الأفراد، الله خلقنا لرسالة والإنسان الذي لا يشعر بحياته يفقد الكثير من وجوده ولا يشعر بلذة الحياة الجميلة وهذه هى النعمة التي أعطاها الله للإنسان، كان الفرح ينقص الإنسان وجاء السيد المسيح مولودًا في مذود بيت لحم لكي ما يمنح الإنسان فرحًا كبيرًا والسؤال الأن من أين وكيف يأتي الفرح؟
 
نحن نتعلم في الكنيسة ونصلي في الحاننا ونردد كلمة “هليللويا” وهى كلمة تهليل وفرح وهى كلمة مشهورة في سفر المزامير وسفر الرؤيا وتتكرر أربع مرات وتشير إلى جهات الأرض الأربعة أريد أن أتامل معكم في خمسة مشاهد عن الفرح من أين يأتي؟
 
1- المشهد الأول:
في حياة أمنا العذراء مريم عندما نالت البشارة من الملاك جبرائيل ذهبت بسرعة إلى القديسة أليصابات وذهبت إليها لتخدمها وعندما رأتها اليصابات ابتهج الجنين في بطنها أما أمنا العذراء حولت هذه المناسبة إلى صلاة ” تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي” فهذا هو المصدر الأول للفرح الخلاص، أمنا العذراء من البشر وعرفت أنها تحتاج للخلاص وهكذا جميع أجيال العهد القديم كانت تبحث باشتياق عن من يأتي ويخلص وحتى أجيال الأمم كما قال سقراط” لا سبيل إلى معرفة الحقيقة إلا إذا جاء رب الحقيقة وأعلانها بذاته” مريم العذراء أمنا وفخر جنسنا وقفت وصلت وقالت ” ” تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي ” وكانها تضع ايدينا على أول طريق الفرح، الفرح لا يأتي ألا من خلال خلاص السيد المسيح على الصليب ولذلك نحن نصلي “نشكرك لأنك ملأت الكل فرحًا أيها المخلص عندما أتيت لتعين العالم” فليس هناك فرحًا ألا فرح الصليب هذا هو المصدر الرئيسي وأمنا العذراء تشير إليه وتعلمنا وتعلن احتياجها للخلاص فالإنسان لن يعرف فرحًا إلا إذا بدء بالخلاص الذي قدمه المسيح على الصليب هذا هو المصدر الأول للفرح .
 
2- المشهد الثاني:
نراه في القديس يوسف النجار ذلك الشيخ الوقور الذي اختصه الله ليكون حارس لسر التجسد وكان رفيقًا لأمنا العذراء وفي الطريق لبيت لحم وهو الذي صاحب الأم والطفل الرضيع إلى مصر عبر طرق شاقة جدًا، الفرح هنا هو فرح المسئولية فالله عندما يمنحنا مسئولية تكون مصدر للفرح إذا استخدمها الإنسان بكل أمانة وأخلاص، وفي مثل الوزنات” كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ ” لأنه كان أمينًا ومخلصًا، قد تتعدد المسئوليات ولكن في كل مسئولية إذا تاجر فيها الإنسان بكل امانة يجد فرحًا.
 
3- المشهد الثالث:
مشهد الملائكة الذين ظهروا في السماء جعلوا السماء منيرة ويسبحون ويرتلون ” الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ ” هذا الفرح هو فرح التسبيح، التسبيح هو اللغة الراقية للصلاة، كان فرح التسبيح فرح حقيقًيا علمته لنا الملائكة من خلال هذه التسبحة القصيرة ولكنها شاملة، لا تستطيع أن تقدم تسبيحًا ألا أن تمجد الله أولًا وأن تصنع سلام لتكون تسبحتك مقبولة والخطوة الثالثة بالناس المسرة وأنك أنت تشعر بهذا الفرح وتنشر الفرح في حياة الناس، فعطية الحياة التي يعطيها الله لنا هو صاحبها فاطمئن الله يقود خطواتك فعيش أيامك فرحًا وفرح من حولك، المشهد الثالث كان التسبيح والتسبيح يملأك فرحًا.
 
4- المشهد الرابع:
نجده عند الرعاة وهم أناس بسطاء ومؤتمنين على القطعان التي يرعونها وكانوا يعتبروا خارج سكان أي مدينة لأنهم يتنقلون كانوا بكل أمانة يحرسوا القطعان في البادية وكانت هذه البساطة هى سبب الفرح يقول القديس أغسطينوس”وقفت على قمة العالم عندما وجدت نفسي لا أشتهي شيء ولا أخاف شيء” هؤلاء كانوا كذلك وكانت الصفة الغالبة فيهم أنهم عاشوا حياة الرضا، الإنسان الذي يتذمر لا يشعر بالفرح وهؤلاء البسطاء الرعاة استحقوا أن يكونوا أول من يعرف ميلاد السيد المسيح في العالم كله، ربما معيشتهم بسيطة ولكنها صنعت لهم فرحًا وظهر لهم الملاك وقال لهم ” فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ ” ونعرف أنهم قاموا مسرعين وذهبوا إلى بيت لحم ونالوا الجائزة أنهم أول زوار وشاهدوا الطفل يسوع، البساطة في الحياة وعدم التمسك بالأرضيات يجعل الإنسان فرحًا ليست السعادة في التملك الإنسان لا يستعبد لشيء فكل هذا سيتركه فلذلك لا يحمل همًا، الرعاة علمونا مشهد البساطة والرضا التي تعطي فرخًا للإنسان.
 
5- المشهد الخامس:
مشهد المجوس القادمين من بلاد المشرق الذين استغرقوا شهورًا في رحلتهم كانوا علماء وأغنياء وتحملوا مشقة الرحلة، وتبعوا النجم ووصلوا إلى أورشليم ووصلو للملك وسئلوا عن المولود ملك اليهود وطلب منهم هيرودس أن يبحثوا عن الصبي بتدقيق، أما هم فذهبوا وتبعوا النجم حتى وصلوا إلى البيت ومعهم الهدايا وهنا يظهر فرح المشاركة، عندما تشارك الآخرين تحصل على فرح عظيم، وكان مع المجوس الهدايا واتوا ليشاركوا فرحة الملك المولود ملك اليهود رغم أنهم من الأمم وقدموا هداياهم وشاركوا فرحة أمنا العذراء والقديس يوسف النجار وفرحتنا أيضًا وكان هذا مبدأ المشاركة، أنت عندما تشارك الآخرين في أفراحهم تشعر بفرح داخلي، الإنسان لا يخلق لنفسه بل لمجتمع يخدم ويعمل وحياة الشركة هى الغالبة على اديرتنا القبطية.
 
إذا يا أخوتي هذه المشاهد الخمسة هى مصادر للفرح:
1. من أمنا العذراء الخلاص يعطي فرحًا
2. من القديس يوسف النجار المسئولية تعطي فرحًا
3. من الملائكة التسبيح يعطي فرحًا
4. من الرعاة البساطة تعطي فرحًا
5. من المجوس المشاركة تعطي فرحًا  فيصير هذا العيد هو عيد دخول الفرح إلى العالم ونصلي أن يملأ هذا الفرح كل القلوب والعقول وكل البلاد وكل إنسان وتكون حياتنا في العام الجديد بعد هذه الجائحة ونرجوا أن تنتهي قريبًا ويكون الإنسان متهلل من الداخل برغم وجود المشاكل وفرحان من داخله ويقبل على الحياة ويعطي الإنسان طاقة، اكرر تهنئتي وباسم كل الأباء الأساقفة والمطارنة والأباء الرهبان والشمامسة نهنئ الجميع بهذا العيد المجيد ونصلي لكي يمنح الله نعمة وسلام وصحة وعافية لكل آحد نصلي من أجل كل المصابين وأن يمنحهم الله شفاء ونصلي من أجل الذين رقدوا ونصلي من أجل كل إنسان ونتذكر دائما الأجراءات الأحترازية الواجبة ويجب أن نهتم بها جميعًا، ربما توقف الصلاة في هذه المناسبات يسبب ضيقًا عند البعض ولكن الأمر من أجل الحماية، نصلي أن يرفع الله هذه الغمة وهذه الجائحة ونعود إلى حياتنا الطبيعية ويعطينا سلامًا وهدوئًا، وأهنئكم وأرجو أن تدوم فرحة الميلاد في حياتكم. لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.