ألفى شند
اهتمت الكنيسة المسيحية بالتربية وخدمة التعليم المدنى ، والحقت داخل اسوار الكنائس مدرسة لتعليم ابناء  الرعية ، وبحلول القرن  الحادي عشر برزت هذه المدارس فى الغرب  كمراكز التعليم العالى ، وفي كثير من الأحيان شكلت نقطة انطلاق لكثير من الاكتشافات العلمية ومشروعات استصلاح الاراضى الزراعية والتصنيع  ،  وبعض من هذه المدارس كانت نواة لجامعات مرموقة قائمة  الان .

وتأسست رهبانيات كاثوليكية لخدمة التربية والتعليم والجامعى كأخوة المدارس المسيحية (الفريرات) والسالزيان (دون بوسكو) ودور رهبنة الجزويت فى تكوين المرء وتنمية كافة جوانب الشخص العقلية والوجدانية والبدنية ،وتدريس الرياضيات والفيزياء والكيمياء  والقانون والموسيقى  ،أى  تنمية كل الانسان حتى  يستخدم المرء ذاته لما جاء من اجله المسيح "أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ." (يو 10: 10) ، وباعتبار ان الايمان والعلم  جناحين للمعرفة والوصول للحقيقة . وتمتد رسالة خدمة المدارس المسيحية فى التربية لجميع الناس، دون أي إعتبار للجنس، واللون والدين ، وتنتشر فى مختلف البلدان  بموجب حق الانسان فى الكرامة الانسانية والتربية . من بين هذه البلدان مصر .حيث كان للكنائس المسيحبة للطوائف الثلاث وبتشجيع من افراد الاسرة العلوية الحاكمة دور بارز فى نشر التعليم المدنى بجانب التعليم الدينى الذى كان سائدا قرون طويلة ، الذى كان يقوم على  تلقى التلميذ  العلم عن شخص وليس عن الكتب، حتى يصبح لديه أدوات كافية للأخذ من الكتب.  كان طالب العلم يفتخر بعدد الشيوخ الذى درس على ايديهم  واذا بلغ عدد الشيوخ 20 شيخا حصل على شهادة "الاجازة" مدون بها اسماء المشايخ الذين درسوه ، تعليم بلا تخطيط أو هدف واضح .  . وكان طلاب المدارس المسيحية والبعثات الخارجية نواة بناء مصرالحديثة .

ففى سنة 1860 وهب الخديوى إسماعيل أخوة المدارس المسيحية (الفرير) مساحة كبيرة من الأرض بحارة زويلة لبناء  مدرسة القديس يوسف (الخرنفش)، وافتتحت  المدرسة  سنة 1864 لاستقبال كل من أبناء الفقراء والأغنياء على حد سواء، وأرسل الخديوي إسماعيل للتعليم بها  12 من شباب الاسره العلويه بهدف إعدادهم لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة،  الحق بها سنة 1890 قسم الحقوق، وفي سنة 1907 افتتح بها  قسم التجارة،  وقد وصل عدد مدارس اخوة المدارس المسيحية (الفرير) فى فترة حكم اسرة محمد على  35 مدرسة في عموم مصر . تخرج منها رؤساء الوزارات والسياسيين والفنانين  والمهنيين . من تلاميذ مدارس "الفرير" من السياسيين: سعد زغلول، مصطفى كامل، إسماعيل صدقي، مصطفى فهمي باشا، عدلي يكن، علي صبري، عصمت عبد المجيد. ومن الفنانين: نجيب الريحانى، وفريد الأطرش، وأنور وجدي، ورشدي أباظة، عبد الفتاح القصرى،  بالإضافة إلى الشاعر حسين السيد. ..

وكذلك أنشئت نواة الجامعة الامريكية فى القاهرة سنة 1982 ، وإنشاء مدارس حملت اسم مدارس "التوفيق" و "الإيمان" القبطية  فى عهد البابا كيراس الرابع  ( 18504 – 1861) ،  ومن قبل مدرسة الاسكندرية اللاهوتية التى أثرت العالم القديم بالعلوم الفلسفية واللاهوتية .

 وعن دور الكنائس فى التعليم  كتب  المؤرخ ج.ل هيلبرون "الكنيسة أعطت المزيد من المساعدات المالية والدعم لدراسة علم الفلك لأكثر من ستة قرون، بدءًا من استعادة المعارف القديمة خلال العصور الوسطى المتأخرة وفي عصر التنوير، ربما أكثر من غيرها من المؤسسات« ويقول المؤرخ لورانس برينسيبي » من الواضح في السجل التاريخي أنّ الكنيسة الكاثوليكية كانت على الأرجح أكبر وأحد أهم رعاة العلم في التاريخ، كما كان رجال الدين الكاثوليك من المساهمين في الثورة العلمية"، ويضيف جورج  مينو فى كتابه "الكنيسة والعلم" » ان الكنيسة التي أعلنت أحيانا الخلاف بين الإيمان والعلم، هي التي أنتجت العديد من أساطين العلماء، فساهمت في تقدم بعض المواد العلمية «.

وتختلف خصائص المدارس المسيحية بشكل كبير من بلد إلى آخر من حيث الفئات المستهدفة، المناهج الدراسية ، مكانة المدرسة ، حتى الصورة المثالية للمدرسة . حيث لاتوجد " تربية مسيحية" بمعنى "علم مسيحي للتربية" . لكن توجد عناصر  معينة على أساسها يتم تقييّم رسالة المدارس ، وممارساتها وأنشطتها التربوية  ، والدور الذي تلعبه في المجتمع. هذه العناصر الثابتة فى التربية المسيحية ، حددها   بحث علمى للبروفيسور جي أفانزيني، أستاذ التربية في الجامعة الكاثوليكية بمدينة ليون الفرنسية ،  فى الاتى:

القناعة الراسخة بضرورة التربية :
لا يستطيع الإنسان أن يستغنى عن التربية، وإنما يحتاج إلى التربية للوصول إلى مقوّمات ومواصفات إنسانيته. هذه الحتمية تفرض نفسها على جميع البشر.. وإذا كان العقل والايمان جناحين للمعرفة والوصول للحقيقة  . فيجب تمكين كل إنسان من التسلح بهما . . وهذا يُعتبر جوهر الرؤية المسيحية للتربية. وتنظر الكنيسة إلى التربية كمرحلة من مراحل تاريخ الخلاص ، حيث يروى الكتاب المقدس ،  كيف أن الله ربّى شعبه وقاده عبر القرون لأجل مجيء المسيح. ولاجل ذلك كرّس يسوع المسيح حياته العلانية لتعليم وتربية تلاميذه وأنشأ الكنيسة لتكملة هذه المهمّة.  فانها ترى ان العمل الخلاصي هو عمل تربوي بحت. وكل عمل تربوي هو  عمل تمهيدي لخطة الله لخلاص الإنسان. لهذا السبب دافعت الكنيسة باستمرار عن حق الأطفال في التربية واعتبرت التربية بكل أشكالها جزءً  من رسالتها.

القناعة بقدرة الإنسان على تنمبة ذاته :
وبدون هذا المبدأ  لا يمكن نجاح العمل التربوى، ليس فقط لأسباب تتعلق بمبادئ علم النفس أوعلم الاجتماع، بل لأسباب لاهوتية: أنّ يسوع المسيح، عندما اكتسب صفة بشرية  ، جعل الجميع قادرين على السير في طريق الكمال.. هذه القناعة كانت راسخة لدي كل مؤسسي الرهبانيات التي تهدف إلى تربية النشىء مثل قناعة القديس دون بوسكو فى عمله النربوى مع صعاليك مدينة "تورينو" فأثنان منهم أصبحا طوباويان !

حسب هذه النبدأ، المربّي المسيحي يسعى إلى المشاركة في تحقيق مشروع الله من خلال عمله التربوي ويجعل هذه المشاركة مشروع حياته وهو يمارس "المحبة التربوية" عندما يساعد الناشىء ليصبح مواطنا صالحا ومسيحيا حقيقيا .

-    القناعة بأهمية عنصر الزمن :
  على عكس السياسة التي تعمل على المدى القصير، تستهدف التربية التأثير على المدى الطويل. فهي تنطلق من لا شيء وتنتظر ظهور نتيجة مجهوداتها بصبر مثل ما عمل الله في تربية الشعب المختار عبر التاريخ. وفعل يسوع المسيح أيضا الذي أهل  نفسه لحياته العلانية القصيرة بثلاثين سنة من حياته في الخفاء والصمت. كذلك يحتاج تكوين الإنسان إلى مراحل متتالية طويلة وتبادر الكنيسة دائما ببدء التكوين في سن الطفولة وتساهم في إنشاء وتطوير علم وفنّ التربية.

-    إعطاء الأولوية للقيم الانسانية والروحية :
لاتبغى المدرسة  المسيحية الى تزويد الطالب  بالمعارف والمعلومات  والقدرات أو المؤهلات لأجل الوصول إلى المناصب المهنية ، لا تتجاهل تلك الوسائل بل من اهدافها. ولكن هدفها في المقام الأول ترسيخ معاني الحياة ودوافعها ، وبناء السلام والمحافظة على الطبيعة والانفتاح على الاخرين واحترام العدالة وتحمل المسئولية ان لم تكن هذه الاهداف  فى متون المناهج الدراسية ، فبواسطة الانشطة المدرسية الصفية واللاصفية . ويطالب رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس فى كل لقاء مع المربين والعاملون فى المدارس انسنة التربية وتنمية روح الحوار و الانفتاح على الاخر .