الأب اثناسيوس حنين -اليونان
كثير الكلام هذه الايام عن الزمان الجميل وتعددت منصات عرض هذا الزمان ما بين اللمة والعشرة واللقمة الحلوة وما بين فنانين الزمان الجميل الذين بدأنا نعرف سيرهم الشخصية ومدى ما عانوه ليقدموا لنا فنا جميلا ولحنا شجيا ورسما ملهما وكتابات تستلهم الحقيقة التى عاشها الكاتب وما من حقيقة الا أتية ’ بشكل مباشر وغير مباشر ’ ممن قال عن نفسه (أنا الطريق والحقيقة والحياة). تتسع المسافة بيننا وبين هذا الزمان الجميل وكدنا نظن أنه قد ولى الى غير رجعة وترك لنا الظلال والحسرة والشوق واليأس والاكتئأب . الى أن جأت أمى وأعادتنى الى الزمان الجميل والرائع أنها أعادتنى الى الزمان اللاهوتى الجميل والذى يكاد يختنق وسط شلالات الفتاوى الدينية المعاصرة من كل حدب وصوب (لأننا احنا كمان شطار فى الفتاوى ويمكن صرنا أشطر من غيرنا !).أعادتنى أمى ’ أقول ’ الى الزمان اللاهوتى الجميل الذى قررنا وبملء ارادتنا أن لا نعرف منه سوى غبأأته ومعاركه وأحقاده وشكلياته وضيق افق نصوصه ولا نسأله عن الأسباب (عشان كدة نكره عمى قرأة التاريخ )!وفقدنا أو كدنا جماله الأصلى . أتصلت بأمى التى بلغت من العمر التسعين ربيعا لأخذ البركة وصالح الدعوات والتهنئة بالاعياد .الاعياد التى دفعت الناس على مستوى كونى الى العزلة والى الحبسة الى  التفتيش فى دفاترهم القديمة ’ عن صورة أو جواب أو بلوك نوت أو تليفون صديق نسيناه للحصول على طاقة وجود وسط الكأبة الكورونية الكونية . البساطة التى يعيشها جيل أمى عجيبة ومبشرة بأن الانسان ’ اذا قرر ان يصير انسانا ’ بخير .سألتها عن الجيران ’ كل الجيران ’ لأننا فى الغربة لا نعرف سوى جيران المصالح فقط بعد ما البلية لعبت !.وبعد ذكر اسماء كثيرة وعزيزة . سألتها (والحاج أبو خلف عامل ايه؟) وللعلم والاحاطة الحاج ابوخلف رافق  مسيرتنا وكان عم كبير . ومن أسمه ولقبه نعرف رصيد الرجل الدينى ومكانته فى الجامع شرق الترعة والذى شارك فى بنأئه وقد تبرع أبى قبل رحيله فى بنأئه وكانت أمى اثناء البناء تذهب اليهم بالشاى والشكر الى شيخ الجامع الشيخ فرغلى والذى كان رفيقة فى المدرسة وحينما أصاب الداء عينيه وفقد بصره وصبره  ’ صار شيخا كبيرا  .ماتت زوجة الحاج  (أنا خالتكم كانت تقول لى أنا خالتك وحينما نحتاج شئ ويركب العناد الصعيدى رأس أبوى تتدخل وتقف فى صفنا ويقبل أبى)’ ماتت زوجته ولم يتزوج ثانية بل اعتاد أن يجلس وحده على باب البيت المقابل لباب بيتنا ’ والمسبحة فى يده ولا يمل من الدعاء لكل الناس وخاصة الشباب وحينما يحدث وانزل سمالوط ’ ينتفض من مكانه ويركض ليقبل يدى .ويذكر الست أم خلف كما كان يحلو له أن يسميها وكأنها ماثلة أمامه .. المهم هو رد أمى على السؤال (عامل أيه الحاج أبو خلف ؟) كان ردا لاهوتيا من العيار الثقيل ولم اتوقعه من عجوز لم تقرأ حرف فى اللاهوت .

كيف لا يكون الرد لاهوتيا وأسم أمى (رحمة). قالت وهى ترسم نفسها بعلامة الصليب التى يخجل منها الكثيرات ’من سيدات الصالونات’  اليوم (مات وراح عند يسوع !!!). يا للذهول والعجب الذى أصابنى عند سماع هذه الحقيقة اللاهوتية والتى كافح أباءوأمهات الكنيسة  لتوضيحها فكرا بعد أن عاشوها سلوكا مع أعتى الفلسفات وعبادات الاصنام فى عصورهم .من أيرينأوس وجمع كل شئ فى المسيح الى كيرلس الذى وفى شرحه ليوحنا الحبيب ’ يرى البشرية كلها كرمة المسيح وكل انسان غصن فى الكرمة. وهنا قد يتسأل أحدنا السؤال الذى لم يطرأ على ذهن أمى الأمية : يعنى أمك تؤمن بخلاص غير المؤمنين وأنت اللاهوتى ؟هذا السؤال ليس له محل لا عندى ولا عند أمى كما عند أباء وامهات المسيحية العامرة بالحب .هذا السؤال واسئلة كثيرة مشابهة هو ثمرة الأزمنة الرديئة ! نحن لا نعطى لاحد صك بدخول الجنة او ولوج الجحيم .هذه ليست قضيتنا’ كما أنها ليست  قضية بشارة بل قضية اثارة تزرع الاحقاد وبالذات حينما نستعملها على طريقة (الكلام لك يا جارة!).الجدير بالذكر أنه لم يحدث ولا مرة ما يسموه اليوم فتنة طائفية! ولم يخرج علينا معتوه يقتل ويذبح ! كانت أمى وغيرها أطباء الحارة يضعون بلسم الحب والشفاء . لم يستفذوا احدا ولم يتعالوا على احد ولم يتمسكوا بلاهوت العزل والاقصاء. كان أبى مسيحيا بسيطا ويذهب الى عيد العذرا سنويا فى جبل الطير بسمالوط وفى نفس الوقت يواظب على الذهاب الى المنيا لحضور مولد الفولى والذى كان عيدا مجتمعيا وثقافيا  يفرح به الجميع  ! نحن نبشر بيسوع الذى هكذا أحب العالم والانسان حبا أنزله من حضن ابوه ومن بطن  امه الدافئان ليشاركنا فى كل شئ . البشارة هى فى هذه الحياة الدنيا . أما عن الحياة الأخرى فهى لاحكام الله .

نعم هناك  مواضع فى الكتاب المقدس تتحدث عن مواقف من الرافضين ولكن هناك ’ وفى ذات النص ’ رحمة كبرى وصبر كبير عليهم فى هذه الدنيا ولم يحكم الكتاب بالاعدام على انسان قبل اليوم الخير الا اذا حكم هو على نفسه كيهوذا وان كان هناك دراسات كتابية معاصرة تريد أن تشمل حتى يهوذا بالرحمة الالهية وتجد له مخرجا ... نحن لا نحكم قبل الوقت كما يقول بولس بل نترك الحكم لله فى المسيح بالروح القدس . أمى أمنت أن كل انسان هو صورة الله ومشروع قداسة وموضع حب يسوع حتى لو كان الحاج ابو خلف .لم تقيم نفسها قاضية بل شاهدة فى قضية تثق فى كسبها ’ وهو الحب الفياض ’ الذى جعل كل الجيران يحلفوا وما زالوا باسمها كما يقول شعبنا الطيب .هذا لا يعنى أن أمى تعيش غيبوية اجتماعية لأنها حينما استشعرت خطر الانقسام والحقد والتهميش والتقسيم على الهوية ورأت بعينيها عمليات النهب والسرقة العلنية كبدايات لتأسيس دولة الخلافة فى مصر ’ والتى أى مصر ’  مثلت أخر معقل قوى أمام الارهاب الدينى المخرب والاقصائى والانعزالى وذلك بعد خراب سوريا وانهيار  العراق وتفكك ليبيا وخوف السودان  ! كما قالها الريس اخيرا فى باريس ’  عملت ايه أمى الأمية صاحبة الحس اللاهوتى الراقى والوطنية الطبيعية وليس المضروبة ’  شالت صورة السيسى وراحت انتخبته !حس أمى يذهب بى الى القول أن أكبر خطر يحوم حول المسيحيين ’ اليوم ’ هو تبنى فكر العزل والحقد والانفصالية والعزلة والردح والشكوى’ هو أنهم صاروا ردود افعال وليسوا أفعالا كأبائهم وأمهاتهم  !!!

وصاروا خبراء فى نعت كل هذه الامراض بمببرات  ومسميات لاهوتية ساقطة لا تمت للمسيحية الأصلية بصلة . لقد حزنت كثيرا  على رحيل الحاج ابو خلف ’ عمى ’ وأطلب له الرحمة الكثيرة ولكنه راح عند يسوع كما قالت أمى .أزاى وكيف ؟؟؟.لا أدعى المعرفة حتى ولو جأوا لى بأيات من الكتاب المقدس الذى أعرفه جيدا بكل لغاته الاصلية والمعاصرة ’ أنا لا أعرف الا شيئا واحدا أن هذا شأنه مع يسوع الذى أحبه وأسلم ذاته عنه . يسوعنا فوق الكتب وفوق الناموس والشريعة وخاصة حينما يتعلق الامر بلحظات فاصلة فى تاريخ الناس لا يملك عاقل القدرة على الحسم فيها ! نقول هو’ وكل قومه ’  لربهم يسقطون أو يقومون . يكفى أننا لا نعطيهم القدوة الصالحة ’ فنحن نتكلم عن الشكر ونحن متذمرون ’ وعن الوحدة ونحن منقسمون ’ وعن الحب ونحن للناس والدنيا ولبعضنا البعض كارهون وعن الفقر ونحن مرفهون وعن العطاء ونحن بخلاء وعن العفة ونحن ساقطون ’’أنحرمهم من رحمة !!! .لقد أسست أمى لاهوت المسكونية الجديدة بجملة lبجملة  واحدة واحدة لاغية مسكونية النفاق والكذب والعزل ’( نقعد مع بعض بس كل واحد فى حاله ’واللى فى القلب فى القلب !واللى فى العقل وفى الكتب التى تكفر بعضها البعض باق ! بس شربنا القهوة ومضينا يومين حلوين فى افخم الفنادق على حساب البورص (THE GREAT  BOSS)الكبير !) أظهار الايمان بالاعمال وهذا هو ما نحتاجه اليوم فى المحروسة . مش يمكن يكون الجنون والعصبى وفقدان بوصلة الحب قد أصاب المسيحيين قبل أن يصيب غيرهم !.دعواتك يا مى !