بقلم/ماجد كامل
يعتبر مسجد أحمد بن طولون واحدا من أشهر المساجد في مصر ؛وهو يعتبر تحفة معمارية رائعة ؛ والشيء الجميل أن المهندس الذي بناه قبطي ويدعي سعيد بن كاتب الفرغاني . وسعيد بن كاتب الفرغاني مهندس قبطي ظهر أسمه في عصر الطولونيين ؛ونحن لا نعرف الكثير عن حياته ؛ غير أن القليل المتاح عنه بالنسبة لمكان ميلاده ؛ هناك رأيان ؛الرأي الأول يرجعه إلي ناحية فرغان بمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية ؛أما الرأي الثاني فيرجعه إلي مدينة الفراجون التي أندثرت وحلت محلها مدينة سيدي  سالم بمحافظة كفر الشيخ .ولقد أشتهر بالنبوغ في العمارة  ؛وأول عمل نسمع أنه قام به هو أنه تولي عمارة مقياس النيل بجزيرة الروضة عام 864م بعد أن أمر الخليفة العباسي بإعادة عمارته  ؛ وعندما تولي أحمد بن طولون حكم مصر عهد  إليه  إنشاء قناطر لتوصيل المياه إلي مدينة القطائع  (العاصمة الثانية لمصر الإسلامية بعد الفسطاط ) فبني له القناطر المطلوبة وحفر عينا من الماء متصلة بصهريج . وكان ذلك ما بين عامي 782/ 783 ؛  وقد بلغ هذا العمل حدا  من الإتقان ما جعل أحمد بن طولون يعجب بنبوغه ؛وتروي بعض كتب التاريخ أنه بينما كان ابن طولون يتفرج عليه عثر حصانه بكومة من التراب أهمل العمال في نقلها فغضب علي المهندس سعيد بن كاتب الفرغاني وألقاه في السجن .

 وبعد فترة من الزمن رغب أبن طولون في إقامة مسجد فريد من نوعه  .فأشار عليه مستشاروه أن يزينه بثلاثمائة عمود وأوعزوا إليه  أنه يستطيع الحصول علي هذا العدد من الأعمدة عن طريق هدم بعض الكنائس القائمة وأخذ أعمدتها ؛

وعندما سمع سعيد بن كاتب الفرغاني بهذه المشورة أرسل خطابا عاجلا إلي الوالي  وهو في السجن يعلن له فيه أنه علي استعداد أن يقيم له المسجد المطلوب بعمودين فقط  يجعلهما في القبلة ؛وعندما قرأ ابن طولون الخطاب تذكره وأمره بإطلاق سراحه واستحضره أمامه وكلفه ببناء المسجد بالكيفية التي يراها ؛فقام المهندس ابن كاتب الفرغاني بالمهمة علي أكمل وجه ؛ فسر به أبن طولون كثير ؛وفي أول جمعة صلي فيها بن طولون ؛قابله سعيد بن كاتب الفرغاني وصاح فيه قائلا "يا أحمد بن طولون يا أمير الامان عبدك يريد الجائزة ويسأل الأمان أن لا يجري عليه مثل ماجري في المرة الأولي فقال له أحمد بن طولون انزل فقد أمنك الله ولك الجائزة فنزل وخلع عليه ؛ وأمر له بعشرة آلاف دينار وأجري عليه الرزق الواسع إلي أن مات " ويشهد جامع ابن طولون بعبقرية هذا المهندس القبطي ؛فلقد بدأ بناؤه مابين عامي 876/ 877 ؛وأستغرق في بناؤه حوالي سنتين  .وعن أهمية هذا المسجد يذكر المؤرخ الانجليزي الشهير "ستانلي لين بول " ( 1854- 1931 ) في كتابه الهام "سيرة القاهرة " فيقول "علي أن الأثر الذي خلد اسم ابن طولون حقا ؛هو جامعه الذي بقي وحده من مدينة القطائع ؛والواقع أن هذا المسجد أبدع ما في مصر الإسلامية من آثار ؛ كما أنه نقطة تحول هامة في تاريخ العمارة .وهناك شيئان هامان يميزان هذا المسجد بصفة خاصة : الأول أنه بني من مواد جديدة تماما ؛وليس من أسلاب الكنائس والمعابد القديمة ؛والثاني أنه المثال الأول لاستعمال الأروقة المدببة الشكل ؛وهي الأروقة التي لم تظهر في أنجلترا إلا بعد ذلك بقرنين علي الأقل .وهذه الأروقة مدببة فعلا ؛ولها قاعدة تماثلها قليلا ؛ولكن شكلها لا يشبه نعل الفرس "  (الكتاب السابق ذكره ؛الهيئة المصرة العامة للكتاب ؛ص84 ) .