محمد حسين يونس
الخوف من التفكير.. أصبح سمة واضحة لسكان هذا المكان ..كما لو أن عقولهم قد تم تنميطها و صياغتها بإسلوب يجعلها تجتر الماضي .. و تقلد الأخرين ..و تسجن نفسها في محددات لا تتجاوزها .. تعلمتها في الصغر و تحتفظ بها حتي النهاية .

المصرى يخاف أن يقترب من دراسة تعاليم دينه  أو يناقش سلوكه اليومي .. أو كيف ينتج فن و علم متقدم ..أو يتسأل عن أسباب فقرة و عوزه و جبنه .. أو يحاول تغيير علاقته بالسلطة. كما لو كان جنديا علية فقط الطاعة و التنفيذ

المصرى يخاف أن يدرس أساليب حياة أو أديان أو فلسفات أو تجارب تطوير الشعوب الأخرى أو مكتسباتهم العلمية .. حتي لا تزلزل مفاهيمة و تسقط  قناعاته تحت سنابك أفكار الغزاة .

إن التفكير و التغيير أصبح بمرور الزمن خطيئة يتجنبها من يتصورون أنفسهم عقلاء .

شعب مصر لم يعرف الحرية أبدا وكان هناك دائما من يمسك له السوط ، يحركه به لصالح القوى العظمى المسيطرة على مقدراته سواء كانت هذه القوة فارسية ، او يونانية ، أو رومانية ، أو عربية ، أو عثمانية أوبريطانية ، أو امريكية .

القوة العظمى هى التى تحدد له ماذا ينتج ، واسلوب إنتاجه ، ومن يحكمه ، وكيف يحكمه ، وماذا يستهلك ، وأى لغة يتكلم وبأى دين يدين، حتى فى الزمن الذى تخيل فيه المصرى أن مصريا يحكمه ، كان هناك من يحكم حاكمه .. يوجهه ويسخره هو وشعبه لصالحه.

وهكذا مع فقد الاستقلال والارادة ، إنزوت الحرية وفقد الشعب الانتماء ، ولم يعد المصرى يحب بلده ، إلا فى الأغانى والأناشيد ،

المصرى .. لا يعمل ، وإذا عمل لا ينتج ، وإذا انتج أخرج أسوا السلع ، وبأعلى تكلفة بسبب الفاقد والاهمال والنهب ..

المصرى لم يعمل لأنه كان يعرف دائما ، أن نتاج عمله ظل لثلاثة آلاف عام ، يُنزح للخارج بقوافل بحرية تعبر المتوسط، من رشيد او الاسكندرية ، متجهه الى أثينا وروما وبيزنطة ويوركشاير ، أو قوافل برية تعبر الصحراء من الوادى حتى المدينة او دمشق او بغداد أو اسطنبول حاملة الحبوب والزيتون والأعناب والزيوت والقطن والذهب والفضة ..

المصرى منذ زمن الزراعة ، وحتى زمن اللا إنتاج والاعتماد على ريع السياحة وعبور قناة السويس وتصدير العمالة الرخيصة والغاز ، يعرف ان عائد عمله ، يصب دائما فى الخزائن الغريبة ، و في بناء قصور الحكام و قلاعهم ..وهكذا تحولت مزرعة " روما " الى مستورد رئيسى للطعام تشتريه أو تستجديه كإعانات ومنح وقروض .

المصرى الذى بنى الأهرامات ومعبد الكرنك ووكالةالغورى ومسجد السلطان حسن ، أصبح يبنى الآن عشوائيات غير متجانسة ، قبيحة الترتيب والمنظر ، حتي لو أنفق عليها المليارات فيما يسمي بالمدن الجديدة  

المهندس المصرى والصنايعى والحرفى والمراقب والعامل ، كل منهم لم يعد يتقن مهنته ، وإنشغل عن رفع كفاءة الأداء ، بالبحث عن مصادر رزق إضافية ( قانونية أو غير قانونية ) .
 
الصنايعى المصرى تخلف عن مثيله فى بلاد كانت الى زمن قريب تبحث عن المصرى المخطط والمهندس والعامل .

المصريون المحدثون أنتجوا شوارع غير صالحة للاستخدام ، وكبارى قبيحة لا لزوم لها ومواسير دائمة الانفجار وبيئة ملوثة ، ومجارى مائية مسدودة ، وسكك حديدية كثيرة الأعطال علي الرغم من  الاموال المستدانه التي تنفق ببذخ  علي شراء الامريكي و الروسي و قاطرات بلاد الواق الواق  .

ما يقال علي السكة الحديد يصلح أيضا لمرافق الكهرباء والتليفونات  و الغاز و المياة و الصرف الصحي ..باهظة التكاليف والتي تقدم مستوى خدمة متدنية

 مشاريعنا تعانى من الفشل والاهمال وسوء الخدمة وتخلفها الادارى ،وفقد  التخطيط و الخوف من التفكير الإيجابي و المبتكر . و النقدى  

  المصرييون ينفقون أموالا طائلة على مشاريع غير صالحة يدمرون بها ثروة بلادهم وإمكانيات تقدمها بالجهل والاهمال والتسيب والفساد ،

أنها تعبير و علامات عدم إنتماء ، وفقدان الحب لمجتمعهم ،مهما دمعت اعينهم وهم ينشدون السلام الجمهورى بحماس مع فرق كرة القدم  قبل مبارياته الخارجية  

إن حبهم لمصالحهم ومكاسبهم الآنية الشخصية ، لا يمكن مقارنته بحبهم لهذا البلد التعس..

شيء غريب أن نخاف من التفكير و نتجنب النقد .. و نستسلم لقرارات البنك الدولي و خبراؤة .. و صندوق النقد ( الدين ) و قسوته .. و نتصور أننا نبني مصر حديثه بمجرد إنشاء مونوريل بالقروض أو قصر في العاصمة الجديدة .. أو ندير موكب لنقل جثث القدماء من متحف إلي متحف ..

يا ناس إتعلموا كيف تفكرون  بإسلوب نقدى ..  و حوار حر ..قبل أن تتصدوا للقيام باعمال تقلدون فيها الغير حتي في  تصميم ملابس بنات إستعراض حركة  نقل جثث ملوك زمان من التحرير للفسطاط .  .