د. مينا ملاك عازر

أظن أنه من العبث الآن التحدث عن لماذا أزمة السويس؟ ومن الخاسر؟ ومن الرابح بعد العدوان الثلاثي؟ وكيف أن نظام عالمياً جديداً تأسس بعد تلك الأزمة الطاحنة التي عصفت بقوتين عظمتين بقيتا عجوزتين حتى قررت قوتين عظمتين نوويتين الإطاحة بهما للصفوف الخلفية، أقصد بالعجوزتين بريطانيا وفرنسا، وبالنوويتين الشابتين العاتيتين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة التي لولا أيزنهاور رئيسها ما اهتبلت الفرصة، وما اتخذت موقفها العنيف تجاه إسرائيل، حفاظاً على مصالحها في المنطقة، وخلقا لنظام عالمي جديد.
 
ومن ثمة، أيها السادة فنحن هنا بصدد الحديث عن كواليس أزمة السويس أو العدوان الثلاثي من خلال أعماله التمهيدية السرية التي احيطت بالسرية والكتمان وانكشف عنها النقاب فور تحرك القوات الإسرائيلية في التاسع والعشرين من أكتوبر تجاه قناة السويس لينكشف للعالم سريعاً تورط بريطانيا وفرنسا في مؤامرة لهزيمة وكسر عبد الناصر الذي أمم القناة بعد مماطلة الغرب في تمويل السد العالي، وبعد أمور كثيرة سياسية وغيرها، اكتنفت العلاقات المصرية الغربية تدخلت فيها عملية صفقة السلاح التشيكي التي أثرت وبوضوح صارخ على مستقبل العلاقات المصرية الغربية حتى وصول السادات للحكم بل وبعد انتهاء حرب أكتوبر.
 
كان بروتوكول سيفرز اتفاقية سرية، أبرمت بين حكومات إسرائيل وفرنسا وإنجلترا، وجرى الاتفاق عليها خلال اجتماعات في سيفرز بفرنسا في ١٩٥٦ لتنظيم رد سياسي- عسكري مشترك، رداً على قيام الرئيس عبدالناصر بتأميم قناة السويس، مما أدى لنشوب ما يُعرف بأزمة السويس أو العدوان الثلاثي وقد بدأت الاجتماعات بشأن هذه الاتفاقية بين الدول الثلاث في ٢٢ أكتوبر ١٩٥٦، حيث قام كل من رئيس وزراء دولة إسرائيل، دافيد بن جوريون، والقائد العام لوزارة الدفاع، شيمون بيريز، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، موشى ديان، برحلة سرية من إسرائيل لمنزل منعزل في سيفرز بفرنسا لمقابلة وزير الدفاع الفرنسي موريس بوجيه مونوري، ووزير الخارجية الفرنسي كرستيان بنوا، ورئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية الجنرال موريس شاليه، وسكرتير الخارجية البريطانية سلوين لويد، ومساعده السير باتريك دين، وقام الدبلوماسيون ومساعدوهم بوضع خطة من مرحلتين لغزو مصر، في البداية على إسرائيل أن تهاجم ثم تنضم إليها القوات البريطانية والفرنسية، كان من أصعب النقاط الوصول لخطة يتفق عليها الإسرائيليون والبريطانيون، وذلك لعدم ثقة الإسرائيليين في البريطانيين، ولكن لأن الفرنسيين لم يكونوا على استعداد للتحرك دون حلفائهم الإنجليز، فكان لزاماً على الإسرائيليين القبول بالتعامل معهم، ومن جانب آخر ونظراً لارتباط بريطانيا بعلاقات قوية مع دول عربية كان لديهم تخوفاتهم من التعامل مع إسرائيل، وبعد ٤٨ ساعة من المفاوضات تم توقيع اتفاق سيفرز في ٢٤ أكتوبر ١٩٥٦، ليبدأ سيناريو العدوان الثلاثي بعد أربعة أيام من اجتماع سيفرز ليتم تنفيذ بمقتضياته بعد ساعات من إبلاغ ناصر به من خلال أحد رجالنا في إحدى قنصلياتنا بفرنسا كانت قد وصلته المعلومات بهذا المخطط العدواني، لكن ناصر للأسف لم يفعل شيء، بل ترك صفقة السلاح التشيكية الحديثة تضيع كلها في ممرات سيناء، وتبقى المقاومة الشعبية قلادة نجاح شعب مصر في صد العدوان الثلاثي حتى تدخلت القوتين العالمتين حينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييت كاسرتان صلف الإنجليز والفرنسيين، ومحطمين طموح إسرائيل لكن بضمان حرية الملاحة لها في المضايق ما تسبب عنه حرب يونيو.
 
المختصر المفيد ليس خفي إلا ويستعلن.