د. أحمد الخميسي
اشتعل الشعور الطائفي مؤخرا في قرية " البرشا" الأربعاء 25 نوفمبر، بعد أن شاع أن شابا مسيحيا من أهالي القرية كتب منشورا في فيس بوك يسيء إلى الاسلام، اندفع على إثره أهالي القرية المسلم,ن إلى الاشتباك مع أسرته بالحجارة وصولا إلى القاء الزجاجات الحارقة على بيوت الأقباط واصابة البعض منهم السيدة استوليا فرج الله بحروق أثناء القاء شعل النيران على بيتها وسقوط شعلة على سريرها، كما حاول البعض مهاجمة كنيسة أبو سيفين في القرية بينما كان الأقباط يرفعون تسبيحة الميلاد في الداخل.
 
لكن قوات الأمن تحركت بسرعة ودفعت بعربات الاطفاء والأمن إلى " البرشا" وأغلقت مداخل ومخارج القرية وأخمدت الصدام الطائفي. وقرية " البرشا" واحدة من قرى المنيا التي يسكنها المسيحيون بكثافة، ويحفل تاريخها بأحداث العنف الطائفي، ووفق تقارير رسمية فقد سجلت المنيا سبعين واقعة عنف طائفي ما بين 2011 و2016، كما شهدت قرية " البرشا" نفسها بعضا من تلك الأحداث كان آخرها في أغسطس 2012 حين نشبت معركة أصيب فيها خمسة أفراد بعد مشاجرة بين مسلم وقبطي على مقهى.
 
نحن إذن أمام ظاهرة، وليس حدثا عابرا. نحن في واقع الأمر أمام ملف الوحدة الوطنية بتفاصيله الصغيرة والكبيرة، وأمام العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تغذى روح الطائفية وتجعل التعايش بين المسلمين والأقباط حقلا ملغوما كل شبر فيه قابل للانفجار بمجرد عبور أي شخص أو النطق بكلمة أو وقوع سوء فهم. ولو أننا نحيا في ظروف طبيعية لتم ببساطة التحقيق القانوني مع القبطي الذي نشر كلمته في فيس بوك، وتفادينا همجية العدوان على الأقباط وممتلكاتهم، هذا مع العلم بأن صاحب كلمة فيس بوك التي أشعلت الحريق أكد أن الحساب مسروق منه بل وإنه لا يعيش في القرية من زمن.
 
لكن في الأجواء المتوترة تكفي كلمة أو نبرة أو حركة لاشعال معركة تؤدي إلى حرق المنازل وترويع الآمنين وإتلاف الممتلكات الشخصية للأقباط. والقرية المذكورة مسرح الأحداث تشبه معظم قرى الصعيد التي لا تعرف وزارة الثقافة الطريق إليها، تتراكم القمامة عند مداخل القرية وعند بوابات المدارس وأمام المستشفى الوحيدة بالقرية التي لا يعمل بها سوى طبيب عام كما أنها مغلقة في الليل، أما الصرف الصحي فمازال حلما من أحلام القرية التي يسكنها حوالي ثلاثين الف مواطن. تعاني " البرشا" من الفقر الروحي، الثقافي، والفقر المادي، وغياب أي جهد للتنوير الفكري، مع أن هناك الكثير من الآثار التاريخية في المنطقة منها توابيت فرعونية مزخرفة نقلت إلى المتحف المصري وغيرها.
 
وبينما يشير التاريخ إلى الثقافة الماضية ، فإن الحاضر لا يشير إلى شيء من تلك الثقافة، ليس في القرية الصغيرة فحسب بل وخارجها.
 
ومن المتوقع أن تشتعل مثل تلك الأحدث من وقت لآخر مادمنا نشهد على شاشات التلفزيون دعاة يكفرون المسيحيين، ومادمنا نسمع من الجوامع خطابات الكراهية، ومادامت مدارسنا لا تغرس في طفولة تلاميذها أن " الله محبة " وأن تلك العبارة أخت عبارة " بسم الله الرحمن الرحيم"، ومادام ليس لدينا في مقررات المدارس كتاب عن " القيم الدينية المشتركة" يوضح أن الاسلام والمسيحية يدعوان لقيم مشتركة أساسها المحبة مثل البر بالوالدين، والعطف على الفقراء، ومساعدة الجار، والتسامح ، والصدق في القول وفي المعاملة وغير ذلك من قيم دينية مشتركة ملهمة للنفوس الطاهرة العاقلة.
 
نحن في أمس الحاجة للانتباه إلى ملف الوحدة الوطنية، لأن بوسع مصر أن تحقق أي شيء في ظل امكانيات مادية ضئيلة، وأن تصل لأي شيء في ظل ظروف دولية معاكسة، لكنها لا تستطيع أن تبلغ أي شيء من دون وحدتنا الوطنية ومن دون أن نمضى كتفا بكتف.
 
سيظل ملف الوحدة الوطنية بحاجة لخيال من وزارة التربية والتعليم، ومن وزارة الاعلام، وبالطبع من وزارة الثقافة التي قلما تبذل جهدا ملموسا من أي نوع على هذا الطريق.
 
ليس لنا سوى طاقاتنا، وقدراتنا، وليس لنا سوانا، معا، وليس لنا معا سوى مصر واحدة تحت قمر واحد وشمس واحدة نعيش على أرضها شعبا واحدا.