بقلم / ماجد كامل
مر علي خبر رحيل الأخ الحبيب الاستاذ أيمن كرم إلي السماء مثل الصاعقة ؛ لما كانت تربطني  بالراحل الكريم  بعض الذكريات الطيبة . ولعل بداية معرفتي بالمرحوم أيمن كرم ترجع إلي منتصف الثمانيتات تقريبا ؛حيث تتلمذنا سويا في معهد الدراسات القبطية قسم التربية والاجتماع علي يد العمالقة الراحلين :- الاستاذ  الدكتور سليمان نسيم ؛والأستاذ الدكتور نبيل صبحي حنا ؛ والأستاذ الدكتور ثروت أسحق .

ولقد سعدت سعادة كبيرة جدا عندما أخبرني أنه خريج قسم الاجتماع بكلية الآداب  جامعة عين شمس  مثلي ؛ ومن هنا بدأت أشعر بنوع من التجاذب الروحي المشترك بيننا ؛ حيث تجمعنا وحدة الدراسة ووحدة الخدمة ؛ ففي خلال نفس الفترة بدأت خدمتي في أسقفية الشباب  ؛ومن  هنا أتيحت لي فرصة أكبر لتعميق الصداقة بيننا ؛ فكنا نتقابل في المؤتمرات السنوية لأسقفية الشباب التي كانت تقام تحت رعاية نيافة الحبر الجليل الأنبا موسي أسقف عام الشباب – أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية – وكنا خلال المؤتمرات نتبادل الأفكار والكتب والذكريات الطيبة عن أساتذتنا في قسم الاجتماع سواء في كلية الآداب أو في قسم الاجتماع والتربية بمعهد الدراسات القبطية . ومع تأسيس مجموعة التنمية الثقافية بأسقفية الشباب خلال عام 1989 ؛ كان لي الشرف أن أكون واحدا من أصغر أعضائها ؛ ولقد حرصت المجموعة منذ تأسيسها علي دعوة كبار الكتاب والمفكرين مثل :- المرحوم الدكتور وليم سليمان قلادة – المرحوم الدكتور  أنور عبد الملك -  المرحوم الأستاذ السيد ياسين ...... الخ . كان يحضر الأخ أيمن هذه اللقاءات معنا ؛وكان يشارك بإيجابية وفاعلية في هذه الحوارات ؛ فكنت أبهر من ثقافته الموسوعية وقدرته علي الحوار والمناقشة مع مثل هؤلاء العمالقة الكبار . وفي بداية عام 1994 ؛تأسس المركز القبطي للدراسات الاجتماعية داخل إطار أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية ؛ وكان الأخ أيمن من كبار الخدام العاملين في الأسقفية ؛ فكانت فرصة أكبر للتقارب وتعميق أواصر الصداقة بيننا . وعندما طلبت مني مديرة المالية  بالأسقفية اخلاء طرفي من الأسقفية تمهيدا لإنهاء  خدمتي بها ؛ أستغثت بأيمن كي يتوسط لي في  حل هذه المشكلة ؛ فاقترح علي أن أقدم برنامج ثقافي لشباب وقطاعات الأسقفية  المختلفة ؛ وطلب مني مقابلته يوم  الجمعة بمقر الأسقفية بالكاتدرائية ؛ وجلسنا سويا نعرض النقاط والموضوعات التي يمكن أن نقدمها في البرنامج بحيث تغطي اهتمامات الأسقفية ؛ وفعلا تقريبا هو الذي وضع البرنامج المقترح ( البرنامج شمل  موضوعات في تاريخ الكنيسة وحضارة الاقباط وجماليات الفن القبطي وهكذا )   ؛ وبعدها طلب مني كتابته علي الكمبيوتر تمهيدا لعرضه علي الجهات المختصة ؛ وفعلا كتبت البرنامج وتم عرضه علي الجهات المختصة ؛ ولم يكتفي أيمن بذلك  ؛ بل تقابل مع المسؤلين  بنفسه ؛ وقال لهم "ماجد طاقة حلوة خسارة تضيع مننا " . ولكن نظرا لظروف خاصة  تم خروجي من الأسقفية خلال عام 2015 . وبالرغم من ذلك . عندما جاءته فرصة لكي أخدم في  أحدي البرامج ؛ طلب مني إعداد محاضرة عن أهمية الثقافة ومكوناتها وعناصرها وماذا ينبغي أن يقرأ الشباب ....... الخ .

وبمناسبة الاحتفال بمرور 40 سنة علي رسامة أبينا الحبيب نيافة الأنبا موسي   أسقفا للشباب ؛ فكرت في كتابة مقال كبير احتفالا وتوثيقا لهذه المناسبة ؛ فلجأت إلي الأخ أيمن ؛فقام بتزويدي بوثائق وخرائط بالغة الأهمية عن تاريخ نشأة الأسقفية منذ بدايتها الأولي ؛ كما طلب مني أن يطلع علي المقالة قبل النشر حتي يتأكد  من دقة  المعلومات بنفسه ؛ وفعلا أطلع علي المسودة وطلب إضافة بيانات وحذف بيانات أخري حتي قال لي أخيرا " كده تقدر تنزلها وتنشرها " .

وجاءت احتفالية مئوية مدارس الأحد خلال عام 2018 ؛ صدر قرار تعيينه عضوا باللجنة العليا للاحتفالية ؛  فطلب مني المشاركة في الاحتفالية بإلقاء ورقة  بحثية عن المتنيح الأنبا غريغوريوس في تأسيس  حركة  مدارس الأحد ؛وبالفعل أعددت الورقة المطلوبة  وقدمتها للجنة وبنعمة الله أجيزت الورقة فعلا  . وقرب جلسات المؤتمر ؛بدأت أشعر بالخوف والقلق ؛ فقلت له " أيمن أنا عاوز أعتذر عن إلقاء الورقة ؛ ظروفي الصحية مش سامحة " فرد علي وقال " بص يا ماجد لو أعتذرت مش ها نلاقي حد تاني يتكلم عن الأنبا غريغوريوس غيرك ؛ يرضيك أن المؤتمر يعدي من غير ذكر أسم الأنبا غريغوريوس ؟؟؟؟!!! " وهنا شعرت بثقل المسؤلية ورديت عليه "حاضر ؛خلاص ها أتكلم " ولن أنسي ما حييت أنني عقب انتهاء الورقة البحثية ؛ قابلني في الخارج وقال " ماجد ؛ بجد ورقتك كانت أكثر من رائعة " .

وعندما  صدر لي كتاب " قديسون ومزارات " عن المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الآرثوذكسية "  كان من الطبيعي أن أهدي له نسخة مجانية من الكتاب ؛ وبعد مرور حوالي يومين فوجئت به يتصل بي ويقول " ماجد ؛كتابك بجد تحفة ؛ولازم تكمل بقية القديسين والمزارات ؛ بس أنا زعلان منك ؛ أزاي تنسي مارمينا فم الخليج وما تكتبش عنها " فضحكت وقولت له " ليك علي يوم عيد مارمينا ؛  أنزل مقالة كبيرة عن مارمينا وأذكر بالتفصيل كنيسة مارمينا فم الخليج " . ,اشكر ربنا بصلوات مارمينا وصلوات أيمن تم إنجاز المقالة في الوقت المحدد بالضبط .

وقبل  موعد افتتاح المكتبة البابوية المركزية بوقت قليل ؛ أتصل بي أيمن يطلب مني ترشيح بعض الأسماء الخبرة في مجال المكتبات لكي تساعد في العمل في هذا المشروع الجبار ؛ كذلك عرض علي أن كان وقتي يسمح لكي أساعد قليلا في هذا العمل غير أنني أعتذرت نظرا لظروفي الصحية .

ومع منتصف هذا العام ؛تعرض قداسة البابا لحملة هجوم ظالمة من بعض التيارات المحسوبة علي الكنيسة ؛ فطرحنا فكرة تقديم بيان رسمي احتجاجي علي هذا الهجوم ؛ وتولي هو بحكم اتصالاته الواسعة بالداخل والخارج بجمع التوقيعات المطلوبة من كبار الأراخنة الأقباط  في مصر وخارج  حتي صدر البيان بالفعل أواخر شهر يولية 2020 .

وعندما هاجمني أحدي الشخصيات علي الفيس ؛ وأتهمني بكراهية بعض  الشخصيات القبطية عندما قمت بتصحيح معلومة معينة حول أحدي الصور ؛ تولي هو بنفسه الدفاع عني  ورد عليه علي الفيس علانية .

وفي يوم حزين فوجئت به يكتب علي صفحته الشخصية  علي الفيس " إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي " وجاءت التعليقات كلها " ربنا يمد أيده ويشفيك يا أيمن " ففزعت طبعا وبعتت له رسالة علي الواتس ؛خير يا أيمن عيان بأيه بعد الشر عليك "فرد علي "كورونا ومحتاج صلواتك " . وبعدها بدأت أتابعه يوميا علي  الواتس " وعندما عجز عن الرد علي نتيجة وضعه علي جهاز التنفس الصناعي ؛ بدأت أطمئن عليه  عن طريق  أبينا الحبيب القمص رافائيل ثروت  حتي فوجئت ذات يوم مؤلم بخبر رحيله علي صفحة أسقفية الشباب .

نطلب له الراحة والنياح والرب يعوضنا عنه خيرا