د. مينا ملاك عازر
أزمة شهر نوفمبر معي، أنني بينما أنتهي منه أزداد ثقة على أنني أدخل بقلب جامد على الشتاء الذي لا أفضله لعدم حبي للبرد وللوحل والأمطار التي تصبح برك ومستنقعات في بلد ليس استوائي لكنه يصبح بجغرافيا استوائية، لأننا ومع كل إنجازاتنا الإلكترونية لا نرى ضرورة أبداً في أن نقيم شبكة صرف جيدة لمياه الأمطار ليس للتخلص منها فحسب  ولكن للاستفادة منها.
 
تزداد أزمتي مع شهر نوفمبر، أنه يأتيني في بداياته، فيصرخ في وجهي بخبر مؤلم، بأنه قد خصم من رصيد عمري عام، وأن الشباب ولي، والمشيب يهجم، والأكثر إحراجاً وقلق أني اقتربت بشدة من أزمة منتصف العمر، إن كان العمر حقاً في منتصفه، وهنا تكمن الأزمة، فشخص مثلي يفضل الرومانسية يقبل على تلك الأزمة، لا يعني هذا إلا المزيد من الأزمات الإنسانية مع الحكومة. 
 
لا بالطبع أقصد حكومتنا المسؤولة عن تعمير الصحراء وزرعها وبناء المدن وشق الترع والطرق وتأهيل المدن القديمة لتكن ذات بيئة استوائية قابلة لتجميع مياه الامطار في مستنقعات يلعب بها أطفال الطبقات المتوسطة التي تأكلها الحكومة بقراراتها الاقتصادية وبتقشفها الذي غالباً ما يصب في مصلحة الطبقات الكادحة بالمليارات لتسهل لهم العيش في كومباوندات ومدن جديدة تحاكي تلك الأوروبية التي دأبوا على مشاهدتها، أقصد الحكومة التي تحكم بيتي بديمقراطية العالم الثالث حيث يتراجع فيها قيمة صوت الفرد ويتعالى فيها قيمة الصوت الحياني.
 
وهنا تكمن الأزمة الأخيرة لي مع شهر نوفمبر، أنني وبينما أودع عام وأستقبل عام جديد في عمري الشخصي، يوقفني حقيقة مفاداها أنه لم يبقى في العام الميلادي سوى شهرين، وبانتهاء نوفمبر يبقى شهر واحد، وعلي أن أكرر مرة أخرى ما فعلته ليلة عيد ميلادي، وهو مراجعة أخرى، أي أنني أراجع نفسي مرتين في العام ناهيك عن المراجعة اليومية التي تصاحبني كل مساء قبل النوم وتؤرقني وتضج مضجعي ليالي كثيرة، ما يجعلني في صراع مستمر مع الذات لأهرب من نوبات تأنيب الضمير على ما فعلته وما لم أفعله، على ما اقترفته وما أتهمت باقترافه، على ما فعلته بحسن نية فأساء الآخرون الظن به، وما فعلته بسوء قصد مني فاستحال ذنب مضاعف.
 
صديقي القارئ، هكذا أكون أنهيت آخر مقالات هذا الشهر الذي أحبه لتلقي تهاني محبي بمناسبة عيد ميلادي، وصرت أتألم منه لفلسفتي لأحداثه ولقربه من النهاية، ولكن لفي كل الأحوال ما من نهاية إلا ويعقبها بداية، فاللهم أحسن نهاياتنا، وافرج بدياتنا لنعوض بها خسائرنا.
المختصر المفيد كل شهر وأنتم طيبين.