د. مينا ملاك عازر
النهضة حلوة مافيش كلام، ويستمتع بها الشعوب، ومنذ عصر النهضة التي تمتعت به أوربا في القرن الخامس عشر والسادس عشر وأوروبا في حال جيدة، لكنها عانت من حروب طويلة وعميقة وعاصفة تأثر بها العالم بأثره، تصادمت انجلترا وفرنسا وعانت من الحروب النابليونية، وثورات العام 1848م التي اجتاحت الكثير من البلدان الأوربية، حتى إنجلترا لم تسلم من النهضة الأوربية، حتى زالت الملكية لفترة وحل محلها الجمهورية البريطانية، النهضة كان لها أثر كبير في مجال العلم على الأوربيين، بيد أنه كان له أثر فظيع على دماء الأوربيين التي عبأت رائحتها أنوف الجميع، عرفوا المطبعة وعرفوا التقاتل، لا أقول أنهم لم يكونوا يتقاتلون، ولكن الأمر زاد وحدث ما عُرِف بمحاكم التفتيش، وناهيك عن تكفير الكثير من العلماء في بواكير عصر النهضة.
 
وبالرغم من ضرورة النهضة لحياة الشعوب والأمم، إلا أننا ومرة أخرى عانت مصر من فكرة مشروع النهضة، حين حل الإخوان محل مبارك وجلسوا على كرسي الحكم، وتقاتل الناس وتصارعوا في الشوارع، وقامت المظاهرات ودب القتل في المعارضين، والتنكيل والتطاحن السياسي، وكانت الفضائح السياسية والإعلامية، وانكشفت الكثير من الوجوه، وكله على حس مشروع النهضة، فكانت النهضة وبالاً.
 
حتى رأينا سد النهضة في إثيوبيا، ماذا يفعل بالإثيوبيين من مظاهرات واستقال رئيس وزراءهم الذي بدأه، وموت مهندسه منتحراً، ومحاولات انقلاب، والإطاحة بقادة الجيش والمخابرات العسكرية، وتمردات في الاقليم هذا وذاك، وها نحن نرى بأنفسنا محاولة أخرى للانفصال في إقليم شمالي إثيوبيا، صحيح رأينا وفاق بين أريتريا وإثيوبيا وحصول رئيس وزراءها الحالي على جائزة نويل للسلام، بيد أن هذا لا يمكننا أن نتغاضى عن مدى الخراب والدمار الذي حل بالسودان مثلاً حينما كانت تماليء إثيوبيا على حساب مصر من سيول وفيضانات كاسحة غامرة، كما أننا لا نستطيع أبداً التغاضي عن كم الخسائر البشرية التي خسرتها إثيوبيا بسبب صداماتها الداخلية، وتنامي الغضب الداخلي، وتطاحن العرقيات الذي ما كنا نلاحظه من قبل ولا كنا نلمسه بشكل واضح هكذا.
 
أنا لا أقول أن النهضة وحشة، ولكنني أشعر أن لكل نهضة لعنتها، إن استطعت التعاطي معها وتفاديها نجحت، وإن لم تستطيع أطاح بك الشعب من الحكم كما فعل بالإخوان، والدليل على هذا نهضة محمد علي التي كانت ناجحة في مصر لحد كبير إلى أن أخطأ وتصادم صدام كبير، فكانت معاهدة لندن 1840 فأخذت النهضة في الأفول، وتأثرت مصر بأفولها لوقت طويل.
 
المختصر المفيد كم في التاريخ من أحداث لم تفسر إلا بشكل عام، لكن التأمل فيها من الداخل ليكشف لك كره الكثيرين للنهضة وتفوق البعض، وفشل البعض في التعاطي مع نهضتهم.