سحر الجعارة
ما زلنا مع حملة «اتحدوا»، التابعة للأمين العام للأمم المتحدة، لإنهاء العنف ضد المرأة، والتى تُعد حملة متعددة السنوات، تهدف إلى منع العنف ضد المرأة والفتاة والقضاء عليه.

فى المقال السابق توقفت عند الخصوصية الاجتماعية والثقافية لمصر، التى أصبحت تتسم بـ«شرعنة العنف» ضد النساء وتتخذ أشكالاً شاذة وغريبة.. وهو الملف «المسكوت عنه»، والذى يحاول البعض الفصل فيه بين ما يُنتشر من فتاوى شاذة ضد المرأة وبين تزايد معدل العنف ضد المرأة.. فنحن قدمنا للعالم أشهر نماذج القهر والعنف ضد المرأة، بدءاً بفتوى «زواج الطفلة فى بطن أمها» التى أطلقها العالم الأزهرى «سعيد نعمان»، مروراً بكل فتاوى اضطهاد المرأة التى أباحت (نكاح المتوفاة وملك اليمين وضرب الزوجات... إلخ)، وتورط فيها علماء ينتسبون للأزهر الشريف.

فى عام 2020 الجارى تقدمت بشكوى إلى النائب العام، سيادة المستشار «حمادة الصاوى»، عبر جريدة «الوطن»، ضد «عبدالله رشدى» جرّاء فتاواه التى تبرر التحرش والعنف ضد النساء، بعد أن دأب على تجييش الرأى العام تجييشاً سلبياً، والضغط على أوتار الغريزة لدى الشباب، وتحويلهم إلى حزام ناسف ينفجر فى النساء تحديداً.. ولم يتوقف عن دعواته لتشويه الأعضاء التناسلية للمرأة (الختان)، ولم يردعه قيام المجتمع بمظاهرة إلكترونية بعنوان «عبدالله رشدى متحرش»، ولم تطله يد القانون.

إنه نفس العام الذى شهد أقذر جريمة اغتصاب، وهى المعروفة إعلامياً باسم «فتاة الفيرمونت»، حيث تجمّع شلة من الشباب تربطهم الثروة و«السادية الجنسية» وخدّروا «الضحية» وحملوها إلى مخدع دنس، وتناوبوا على اغتصابها بنهم وحشى.. وبدلاً من التستر على جريمتهم وقّعوا بأسمائهم الفخمة على أماكن حساسة فى جسد الفتاة.. وبغِلٍّ غير مبرر أحرقوا سجائرهم فى جسدها بعدما التهموه.. ثم فروا بفعلتهم!.. ولم نسمع آنذاك من السادة الفقهاء إلا الحديث عن «الستر»!

وقبل أن نستعرض بعض ملامح واقعنا الكئيب لهذا العام قد يكون من الضرورى أن ننوه إلى «إعلان القضاء على العنف ضد المرأة» الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، والذى يعرّف العنف ضد المرأة كالتالى: «أى فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يُرجَّح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما فى ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفى من الحرية، سواء حدث ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة».

تؤثر العواقب السلبية المترتبة على العنف ضد المرأة والفتاة على صحة النساء النفسية والجنسية والإنجابية فى جميع مراحل حياتهن.

فى هذا العام اهتز المجتمع المصرى أمام أغرب واقعة «زنا محارم»، فقد تناوب الأب والأخ على هتك عرضها، والتلذذ بافتراس لحمها كل ليلة حتى حملت الفتاة (14 عاماً)، واستكمالاً للجريمة أبعدها الأب المزعوم عن مكان إقامتهم حتى وضعت حملها، وتم ضبطه حين حاول التخلص من الطفل برميه فى صندوق القمامة.

فجأة امتلأ المجتمع بالضجيج حول إثبات نسب «طفل السفاح»، وكان الصوت الأعلى للفتوى القائلة بأنه (لا يجوز إثبات النسب من الزنا حتى لا تشيع الفاحشة)!.. رغم وجود القانون رقم 126 لسنة 2008، الذى يكفل لحالات الأطفال السفاح حياة قانونية سليمة!

ولم يكن الجدل بعيداً عن الصدام المتكرر بين «العلم والدين»، على خلفية قضية أخرى فى محكمة الأسرة لأب يرغب فى رفع اسمه من الأوراق الشخصية الخاصة بأطفاله الثلاثة، بعد أن تأكد من خيانة زوجته، رفع الفقهاء الحديث الشريف: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ورفع العلماء شعار «الولد لتحليل الـDNA».. وفى النهاية أضفنا إلى أطفال الشوارع أرقاماً جديدة!

هذه هى حضارتنا الإنسانية التى نتمسك بموقعنا فيها «فى الحضيض»، فعلى أعتاب «محكمة الأسرة» تقف آلاف النساء مطالبة بالنفقة أو الطلاق بسبب العنف الأسرى.. وعلى مواقع التواصل الاجتماعى مئات الرجال يعرضون زوجاتهم للدعارة فى أقبح صورها.. وعلى قمة قائمة العنف ضد المرأة يأتى «الاغتصاب الزوجى»، فحتى لو كانت المرأة مريضة أو مكتئبة أو حاملاً فعليها أن تقدم «جسدها» للرجل، بصفتها متاعاً وملكية خاصة له أن يضربها أو يهجرها فى الفراش وإلا تكون «أنّانة»!

فى نهاية هذا العام تجسّد القهر والإكراه والتربية على ازدواجية المعايير والغش فى إكراه أكثر من مدرسة للفتيات على ارتداء الحجاب.

معركة إكراه الفتيات على الحجاب ليست إلا نتيجة حتمية لفتوى الدكتورة «سعاد صالح»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والتى طالبت فيها بتحجيب الطفلة فى الصف السادس الابتدائى فى المدارس!.. وقد قاد تيار الاستنارة معركة عنيفة لوقف هذه المهزلة ومساندة وزارة التربية والتعليم لمنع تحجيب البنات بالإكراه فى المدارس.. لكن ظلت «اليد العليا» لمعلمات بعضهن ينتمى للفكر السلفى والآخر يتبنى مشروع الإخوان واستعراض قوى تيار «الإسلام السياسى» بالحجاب.. يطبقن الفتوى بالمخالفة لقرارات الوزارة!

وعلى السوشيال ميديا ظهرت نساء «غريبة» بلا تاريخ يُذكر فى العمل النسوى، يستكملن مشروع سلفنة المجتمع، بالدعوة إلى تعدد الزوجات لتخريب المجتمع المصرى.. كنّ يرفعن «الرخصة الشرعية» مقابل قانون يعتبر الزواج الثانى ضرراً نفسياً يستوجب حق الزوجة الأولى فى الطلاق، ومعاقبة الزوج والمأذون فى حال إخفاء الزواج الثانى.

خلف كل ظاهرة عنف فى مجتمعنا ستجد «حصانة شرعية»، وأبواقاً تفتى بأنها من الإسلام، وكتائب حسبة جاهزة لجرجرة مَن يعارضهم فى المحاكم.. إنها شرعنة العنف الذى لم يكتفِ بالضرب ولا زواج القاصرات، بل توسع فى منح الرجل صلاحيات «استعباد الأنثى» باسم الفقه!!
نقلا عن الوطن