لا أختلف أن النُظم المستبدة تستخدم أسلوب الإلهاء لصرف المجتمع عن قضاياه الحقيقية فيما نُسميه نحن المصريين "بُص العصفورة". إلا أن البعض يتوسع في تطبيق هذه النظرية على حياتنا حتى يجعل كل شيء بخلاف السياسة والإقتصاد هو عصفورة لإلهاء المجتمع، وهى رؤية قاصرة لا تعرف معنى السياسة ولا الاقتصاد ولا تأثير الثقافة في بنية الإستبداد والفساد. إنها نفس العقلية التي قادت إنتفاضة 25 يناير فتحالفت مع الإخوان وصدقت أن النظام رحل برحيل مبارك.
 
إننا عندما ننحاز وندافع عن حقوق بنات التيك توك أو العارضة سلمى الشيمي أو نقف مع لاعب الكرة شيكابالا ضد الخطاب العنصري أو ندعم كل ما يتعلق بالحقوق الفردية نحن في الحقيقة في صلب المعركة السياسية ولسنا خارجها، حتى وإن كان النظام هو من افتعل القضية، بل في الحقيقة أرى افتعال النظام السياسي لمثل هذه القضايا معتقداً أنه بذلك يُلهي الشعب عن قضايا السياسية والاقتصاد، لا يقل غباء عن المعارضين الذين يرون في قضية الحريات الشخصية تفاهة وإلهاء عن القضايا الحقيقية، فالطرفان لا يفهمان أن الحريات الشخصية هى صلب الحريات العامة، والحريات العامة هى الحارس على الحريات الشخصية، وأن محاربة العنصرية ضد لاعب كرة قدم هو محاربة للعنصرية ضد غير المسلمين والمرأة والنوبيين والبدو والمثليين وكل مختلف في هذا المجتمع.
 
إننا أمام حالة من المعارضة السياسية التي إما لا تفهم أهمية الحريات الشخصية وبالتالي فهى لا تستحق الدعم ولا التأييد لجهلها، أو أنها معارضة دينية أو محافظة وهى بالتالي ليس فقط لا تستحق الدعم بل تستحق المقاومة والرفض والرحيل مع الطغاة الفاسدين.
 
فكل ما يساهم في انفتاح وتطور المجتمع المنغلق ويجعله مجتمع منفتح يؤمن بالاختلاف وقبول الأخر ويُقدس الحريات الفردية هو في في الحقيقة عمل سياسي ومعول هدم لبنية النظم المستبدة حتى وإن كانت عصفورة أطلقتها هذه النُظم، ولكنكم لا تفقهون.