ﭽاكلين جرجس

" لقد مات من طلب نفس الصبي " بتلك الآية الرائعة من آيات الكتاب المقدس كانت الإشارة البليغة لموت  وفناء الشر ولتستمر رحلات الخير والسلام والعودة للوطن بعد أن استهلت رحلة العائلة المقدسة الأيام الأولى من حياة السيد المسيح بمباركة أرض مصر الطيبة ..
 
يالها من بردية أثرية رائعة التي نشرتها جامعة كولون بألمانيا لأول مرة ، والتي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي ؛ فلم يمت الصبى بل هرب هو وعائلته المقدسة إلى مصر؛ و حدثتنا تلك البردية عن حياته على أرضها فقالت لنا أن طفولة السيد المسيح استمرت ثلاث سنوات وأحد عشر شهراً. وقد كُتبت البردية باللهجة القبطية الفيومية، وتقول البردية، إن البركة قد حلت بمصر، وأن شهر "بشنس" في التقويم القبطي، هو أكثر شهور السنة بركة؛ لذا نجد الكنيسة القبطية تحتفل في اليوم الرابع والعشرين منه، والذي يوافق 1 يونيو/ حزيران من كل عام بذكري دخول العائلة المقدسة إلى مصر.
 
وبداية تلك الرحلة العظيمة في تاريخ الإنسانية أنه في العام صفر، اضطرب قلب "هيرودس" الملك خوفاً على عرشه من النبوءات القديمة،  بمولد الملك الطفل في بيت لحم،  فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ فجاء الوحي ليوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل وامه البتول مريم إلى مصر، قائلا : "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس" ؛ بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر ؛ فقد مات هيرودس و لم يمت الصبى . 
 
ولأهمية رحلة العائلة المقدسة ، كان اجتماع المجلس الأعلى للثقافة منذ عام خطوة مهمة ، حيث مسار العائلة المقدسة حقيقة كتابية وتاريخية وأثرية ولها تأثيرات حضارية ، واختيار تلك الرحلة كعرض بانورامى في متحف الحضارة أمر طيب ، ولاشك أن مسار العائلة المقدسة مثالاً فريداً للتراث الدولي الموثق على مر العصور، و مشروعات تنمية نقاط المسار يجب أن تخدم المجتمع المحلي ..
 
وعبر فعاليات المجلس الأعلى للثقافة التي نأمل أن تتتابع وتستمر حول أهمية رحلة العائلة المقدسة ، تقدم المتخصصون بعرض  الحقيقة التاريخية  ، وأشاروا إلى  المصادر التاريخية القديمة التي منها السنكسار والدفنار والمخطوطات والميامر القبطية، وذكرت في تاريخ الكنيسة وتاريخ البطاركة وتاريخ الكنائس والأديرة، وكذلك في مخطوطات أوروبا من العصور الوسطى ، وذكر المسار أيضا في الموسوعات العالمية والرسائل العلمية في دول مختلفة، وكتابات الرحالة الأجانب من الشرق والغرب على مر العصور والقرون، وقد تركوا لنا كتابات ومذكرات ومؤلفات عن رحلاتهم وجولاتهم في مواقع مسار رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر.. 
 
 فكل المناطق التى زارتها العائلة أصبحت جزءًا من الأماكن التاريخية الهامة التي زارها المسيح و من هنا جاء برنامج "رحلة العائلة المقدسة "الذى أطلقته وزارة السياحة لتوثيق أقدم رحلة سياحية معروفة وموثقة تاريخياً ودينياً، وهو منتج فريد وينافس بقوة على المستوى العالمى، حيث يشمل البرنامج الجمع بين المناطق التاريخية و الدينية ومناطق الاسترخاء، لسهولة الوصول براً عن طريق القطار أو الأتوبيس أو عن طريق النهر بالمراكب النيلية، كما أنه قابل للتسويق المشترك مع دول مجاورة مثل الأردن ولبنان والأراضى المقدسة .
 
و لعل تلك الرحلة تكون بمثابة إعلان هدنة لالتقاط الأنفاس من جراء وتبعات الحروب و ويلات الأوبئة فى كل بلاد العالم عبر رحلة لمصر يعيش فيها الزائر نسمات روحانية رائعة .
 
دعوة الكنيسة و الأزهر لعقد مؤتمر عالمي ضخم يتناول التقارب بين الشعوب وسماحة الأديان ويدعى إليه كل شركات السياحة والقيادات الدينية في العالم ونجوم الفن والرياضة و من خلال المؤتمر وبالاستعانة بالهيئة العامة للاستعلامات نقوم بالتسويق لرحلة العائلة المقدسة .
 
اصدروا طابعاً تذكارياً بالمناسبة وجريدة باللغات الأجنبية تتابع المستجدات واخبار الرحلات لإنجاح هذه الرحلة .
 
وأعدوا عروضا بالصوت والضوء في مواقعنا الأثرية الهامة .. لتتكاتف كل الجهات في عمل وطني تاريخي تستحقه مصر..
 
و حسنا فعلت كنيستنا العتيدة و دير الشهيد مار جرجس للراهبات بمصر القديمة كمبادرة أولى للترويج عن رحلة العائلة المقدسة سياحيًا بإنتاج و إخراج فيلم مترجم لأكثر من لغة يتناول نبذات ومقتطفات عن حياة الأسرة وأهم محطات الرحلة بشكل درامي بديع و رؤية إخراجية جديدة من المبدع الشاب بيتر ميمى ،وكذلك إصدار كتاب ترجم إلى ست لغات و عمل دوبلاج للفيلم باللغات ذاتها . 
 
إن الأماكن التي باركتها العائلة المقدسة ثروة قومية اقتصادية و سياحية هامة لا يجب إغفالها أو إهمالها ،و  حقا مبارك شعبي مصر (أش 19: 25) لقد دخل السيد المسيح أرضنا الحبيبة مصر وهو بعد طفل على ذراعي السيدة العذراء فتباركت بلادنا المصرية بقدومه .
 
ومن ناحية أخرى تحتاج الإنسانية المعذبة فى أرض الشقاء و العالم الفانى إلى إستعادة ما قدمته لنا رحلة العائلة المقدسة من قيم إنسانية تأصلت في الطبيعة المصرية وهي مساندة المتألمين والمتعبين والنازحين والغرباء وهذه القيم الإنسانية توارثت في المصريين حتى الآن..