بقلم /ماجد كامل
قرأت ذاات يوم قصة قصيرة جميلة ومؤثرة بعنوان "العملاق الأناني THE Selfish Giant " للكاتب الانجليزي الشهير أوسكار وايلد ( 1854 -1900 ) ؛ وتروي القصة عن مجموعة من الأطفال اعتادوا اللعب في حديقة جميلة ملك لرجل عملاق ضخم الجثة كان غائبا عن المنزل لمدة سبع سنوات؛ وعندما عاد ووجد الأطفال يلعبون في حديقته غضب غضبا شديدا جدا وطرد جميع الاطفال من الحديقة ثم قام ببناء سورا كبيرا حول الحديقة وعلق لافتة مكتوب عليها "ممنوع الاقتراب ؛ وكل من سيجرؤ علي دخول الحديقة سوف يناله عقابا شديدا "

ولم يجد الاطفال المساكين مكانا آخر للعب حيث ان الطرق كانت متربة ومملؤة بالأحجار الصلبة التي من الممكن ان تجرح الأطفال اثناء اللعب ؛ وجاء الربيع ولمست أصابعه السحرية كل الحدائق والأشجار ما عدا حديقة الرجل العملاق الأناني ؛ فالطيور لا تحب ان تغرد طالما لا يوجد اطفال ؛

ورفضت الاشجار أن تنبت اوراقها الخضراء في هذه الحديقة ؛ وتطلع الرجل العملاق من شرفة منزله إلي الحديقة وتساءل في نفسه "لماذا تأخر الربيع علي هذا العام ؟ أتمني أن يتغير الطقس قريبا ". ولكن الربيع لم يأت أبدا في هذه الحديقة ؛ وأثمرت الأشجار في جميع الحدائق عدا هذه الحديقة كأن الربيع يقول فيما بينه " أنه رجل محب لذاته إلي درجة بشعة ؛ أنه شديد الأنانية " وذات صباح بينما الرجل العملاق متكئا علي فراشه فجأة سمع صوت موسيقي جميلة ؛ وحين فتح النافذة شاهد طائرا جميلا يغرد ؛


فصاح فرحا " أخيرا قد آتي الربيع إلي حديقتي " ونزل الي الحديقة فوجد الأطفال قد تسللوا الي حديقة منزله من خلال فتحة صغيرة في السور دخلوا منها إلي داخل الحديقة ؛ ففرحت الحديقة بالأطفال فأينعت وأزهرت ؛ فأدرك الرجل العملاق أن سبب غياب الربيع عن حديقته هو حرمان الأطفال من اللعب في حديقته فرجع الي نفسه وندم ندما شديدا جدا وقال " كم كنت أنانيا ؛ الأن عرفت لماذا لم يأت الربيع الي حديقتي . سوف أهدم ذلك السور ؛ وأجعل حديقتي ملعبا للأطفال دائما " وظل الرجل يتابع الأطفال وهم يلعبون يوميا في حديقته في فرح وسعادة ؛ وذات يوم شاهد طفلا صغيرا جميلا جدا يحاول تسلق أحد الأشجار ولكنه لا يستطيع ؛ فأسرع إليه الرجل العملاق ووضعه فوق الشجرة في رفق وحنان فشكره الطفل جدا وقبله في جبينه ؛

ففرح الرجل العملاق جدا بهذا الطقل وأخذ يترقبه كل يوم في لهفة وشوق ؛ ولكن الطفل لم يحضر ثانية ؛ فأخذ الرجل يسأل الأطفال عنه فكانوا يجيبونه أنهم لا يعرفون من هو ولا يعرفون عنوانه أو أي وسيلة إتصال به ؛ ومرت السنوات تلو السنوات والأطفال يلعبون في الحديقة والرجل العملاق يتابعهم في حب وشوق ؛ وفجأة ذات يوم لمح الطفل الصغير الذي أحبه واقفا منزويا تحت أحد أشجار الحديقة ؛ فلم يصدق عينيه من الفرح وجري إليه وأخذ يقبله في حب وحنان وأخذ يسأله عن سبب غيابه طوال هذه المدة ؛ وفجأة لمح آثار جروح في يدي الطفل ورجليه فصاح في غضب " من الذي تجرأ علي جرحك بهذه الطريقة ؟أخبرني عنه وأنا سوف أقتله بسيفي " فأجاب الطفل في رقة ووداعة " لا ياصديقي ؛ هذه هي جراحات المحبة " أرتعب الرجل جدا وسأله في خوف وتخشع " أخبرني من أنت ؟ " أبتسم الطفل في حنان وقال له " لأنك سمحت لي ذات يوم أن ألعب في حديقتك ؛ فاليوم سوف آخذك معي الي حديقتي ؛ وحديقتي هي الفردوس ... في السماء " وعندما لاحظ بقية الأطفال طول غياب الرجل العملاق جروا إليه ؛ ولكنهم وجدوه يرقد ميتا تحت الشجرة وقد غطنه الورود البيضاء.