د. مينا ملاك عازر 

أعتذر في البداية إن كنت وجدت نفسي مضطرا لتقديم اسم فرد مهما كان كنهه أو كانت وظيفته على بلادي لكن هذا للضرورة اللغوية، فبايدن واحد وهو ضد دولة، هذا إن أصبح ضدها حقاً. 
 
إذا سرنا وراء ثقة الإخوان المسلمين المشتتين، بأن بايدن سيعادي بلادنا، فعلينا أن نفهم أن هذا العداء سيكون عداء فردي إن حدث، فالمؤسسات الأمريكية أدركت خطأها الذي وقعت فيها إبان محاولاتها لتفتيت العالم العربي بثورات رأينا أثرها في ليبيا واليمن وسوريا، وقد تكون لم تنظمها، ولم تمولها بشكل مباشر، لكنها دعمتها واستغلت ثورة شعوب على طغيان طغاة حكموهم، المهم هنا أن اعتقادي القائم يرتكز على أن نصيحة كل من في صناعة القرار في أمريكا لن يوافقوا بايدن على أن يعادي مصر حتى وإن كانت تغريداته قبل الحكم وقبل الفوز تعادي الرئيس السيسي مباشرةً، فالرجل له دوره في المنطقة، سيطرته على شعبه وله أرضيته وجماهيريته وأثره في استتباب أمن المنطقة. 
 
نستطيع أن نسأل أنفسنا أيضاً، لماذا سيعادي بايدن النظام المصري؟ هل لقمعه الحريات في بلاده كما يذهب الإخوان؟ حسنناً وإن سلمنا أن ثمة خطأ وجريمة كهذه في مصر، فهل لأجل هذا سيتغاضى الأمريكيون عن ما تقدمه مصر في المنطقة وعلاقاتها الجيدة والمتميزة بالاتحاد الأوروبي وإسرائيل وغيرها من تلك العلاقات القائمة على الاكتشافات الغازية ذات البعد الاقتصادي. 
 
بايدن فرد أمام دولة باتت أقوى مما كانت عليه أيام مبارك أمام إدارة أوباما، كما أن وما لا جدال فيه أن المنطقة كلها تغيرت تماماً، وبات من الضروري الاتجاه نحو وجود دولة قوية تشارك السعودية في صنع مشروع نيوم الاقتصادي العالمي الذي ربما ستستفيد إسرائيل نفسها منه.
 
كذلك لا يمكننا غض النظر عن احتمالية قائمة، وهي أن بايدن ربما نفسه لم يكن موافق على الخطوات التي خطاها أوباما نحو دعم الإسلاميين في المنطقة بداعي ما وصلت له مراكز الأبحاث الأمريكية من ضرورة الدعم الأمريكي للإسلاميين وسحب الدعم للأنظمة الطاغية، لعل هذا يغير من خريطة الأعمال الإرهابية، ورأينا أن هذا لم يحدث بل أن ثورات كتلك التي قامت في سوريا أسفرت لنا عن ظهور تنظيم داعش الذي بات له امتداد داخل أوروبا بأفكاره، ورأينا عملياته، كيف أثرت، كما أنه لم ينجح في إقامة دولة قائمة على أراضي الدولتين العراق وسوريا، وأنهم كادوا بل ربما نجحوا في ميلاد تنظيم بديل للقاعدة الذي خبى في أفغانستان وبات تأثيره محدود على المستوى الأوربي، لعل المؤسسات الأمريكية، أدركت بعد تجربتها مع النظيمين القاعدة وداعش على الترتيب أنه لن يتأثر بالإرهاب أكثر ممن خلقه واستغل ظروف نشأته، فهما سرعان ما صدروا لأمريكا وأوروبا وسددوا لها الضربات.
 
لذا بايدن لن يواجه مصر، ولن يكون ضدها، وإن فعل سيكون وحده دون مؤسسات، ربما لن يدعمها الدعم الكافي بشيكاً على بياض، كذلك كان يفعل ترامب، فلا أحد يدعم دولة أو اخرى أيا كان هو من وكانت قوته دون مقابل، فعلينا أن نكون جاهزين بتحسين قدراتنا وتوضيح ما يمكننا تقديمه على ألا يكون هذا على حساب أمننا القومي وأرضنا، آخر القول في هذا المقال، الآن -بإذن الله- أنه وإن لم يساند بايدن مصر وعاداها،  فلن يجد من يسانده نكاية فيها، سوى جماعة الإخوان التي لم تعد ذات قدرات قوية على أرض مصر، مشتتتين فيما بين قطر وتركيا دون أثر فاعل، ورأينا كيف فشلوا في تحريك الشارع مرتين متواليتين في هذا العام، وما سبقه في شهر سبتمبر بدعاوي من الرجل المقيم في اسبانيا بالشكل الذي يهز نظام لكن ربما بالأكثر يقلقه.
 
المختصر المفيد قوة مصر الآن تجعل الجميع يعيد التفكير ألف مرة قبل معاداتها خاصة أن عدوتها الإقليمية تركيا تترنح.