فاروق عطية
 
   محمد توفيق باشا الإبن الأكبر للخديوي اسماعيل ولد في القاهرة في 15 نوفمبر1852م، وأمه شفق نور كانت جارية مستولدة للخديوي إسماعيل وليست ضمن زوجاته الأربع، وربما يكون ذلك هو سبب عدم إرساله مع باقي أبناء إسماعيل للدراسة في أوروبا وأتم تعليمه في مصر، وربما ذلك يفسر أيضاً العلاقة السيئة بين توفيق وأبيه والتي تجلت بعد عزل إسماعيل في ابتعاد توفيق عنه وإقصاء كل رجاله. هو سادس حكام مصر من الأسرة العلوية، حكم كخديوي مصر والسودان من 1879م الى 1882م. شهد عهده هوجة عرابي، ثم الاحتلال البريطاني الذي حظي بتأييده. وفي عام 1884م سقطت الخرطوم في يد الثورة المهدية وقتل الحاكم المصري للسودان تشارلز جورج غوردون وفقدت مصر حكم السودان، وفي عام 1884م وافق توفيق على فصل السودان عن مصر.
 
في أول مايو 1883م أصدر القانون النظامي الذي بمقتضاه شكل مجلس شورى القوانين.
   في عهد والده الخديوي اسماعيل وبصفته وليا للعهد شكل وزارته الأولي (10مارس1879–7 ابريل 1679م) وكانت تضم وزيرين أوروبيين، وأفلاطون باشا وزيرا للجهادية والبحرية وذو الفقار باشا وزيرا للخارجية ومصطفي رياض باشا وزيرا للحقانية والداخلية ولم تدم وزارته طويلاً، فقد احتدم الخلاف بينها وبين مجلس شورى النواب، واستهدفت لحركة معارضة انتهت بسقوطها وتأليف وزارة محمد شريف الأولى.
 
  تسلّم الحكم في 26 يوليو 1879م وكان يبلغ من العمر 27 عاماً فقط بعد أن أجبر الإنجليز والفرنسيون أباه الخديوي إسماعيل على ترك منصبه، وذلك عندما حاول استدراك ما فاته، وبعد أن أغرق البلاد في ديون أجنبية ضخمة مهدت السبيل للأوروبيين للتدخل في شئون البلاد، حاول إسماعيل التصدي للنفوذ الأجنبي، فأجبروه على ترك منصبه لأكبر أبنائه توفيق باشا. منذ تولي توفيق الحكم علم أن بقاءه مرهون برضا الأجانب عليه خاصة إنجلترا وفرنسا، وعلم السلطان عبد الحميد الثاني ذلك منه، فحاول تضييق سلطاته والمزايا التي كانت ممنوحة لأبيه إسماعيل من قبل، ولكن إنجلترا وفرنسا أفشلتا خطة السلطان عبد الحميد ليس عطفًا على الخديوي توفيق، ولكن منعًا لزيادة نفوذ عبد الحميد الذي سيعطل مشروعات الأجانب في احتلال مصر.
   تزوج من قريبته أمينة هانم إلهامى عام 1873م، وأنجب منها: الخديوى عباس حلمى الثانى، الأمير محمد على، الأميرة نازلى هانم، الأميرة خديجة هانم، الأميرة نعمة الله، ولم يتزوج بامرأة أخرى.
 
   بعد توليه الحكم، استقالت نظارة شريف الأولى (7 إبريل 1879-5 يوليو 1879)، ولكن الخديوي توفيق طلب منه تأليف نظارة جديدة، فألفها في (5 يوليو 1879)، ولكنه اشترط على الخديوي أن تحكم وزارته بمقتضى دستورًا جديدًا، وحينما قدم شريف ملامح الدستور الجديد مشتملاً على وجود مجلسًا للنواب، يكون له الرقابة على إدارة الدولة، رفض الخديوي توفيق ذلك، مما أدى إلى استقالة شريف باشا. رأس توفيق ينفسه وزارته الثانية أثناء فترة حكمه (18 أغسطس 1879-21 سبتمبر 1879م)، ولم تستمر طويلاً بسبب التدخل الأوروبي.
 
    بيع في عهده حصة مصر في أرباح قناة السويس (15%) حيث كانت الحصة مرهونة لبعض الماليين الألمان والفرنسين منذ عهد والده الخديوي إسماعيل، وبذلك فقدت مصر ما تبقى لها من الفائدة المادية للقناة.
 
   حاول الخديوي توفيق استرضاء الأوروبيين، فنفى المصلح السياسي جمال الدين الأفغاني، وفرض العديد من القيود المالية التي طالب بها دائنو مصر، وذلك بموجب قانون التصفية الصادر عام 1880م، الذي خصص أكثر من نصف إيرادات مصر لصالح الدين العام، وبذلك تمكن الأجانب من السيطرة على الاقتصاد المصري.
 
   تذمر الضباط المصريون في عهده من اضطهاد عثمان رفقي وزير الجهادية الجركسي، وإجحافه بحقوقهم وتفضيل الجراكسة والأتراك عنهم، مما دفعهم إلى تقديم عريضة لمصطفى رياض رئيس النظار- في فبراير 1881، للمطالبة بعزله. وبالرغم من تدبير مؤامرة للقبض على مقدمي العريضة واحتجازهم، إلا أن زملاءهم تمكنوا من إطلاق سراحهم، وذهب الجميع إلى قصر عابدين وطلبوا من الخديوي توفيق عزل وزير الحربية عثمان رفقي، واضطر الخديوي إلى عزله، وتعيين محمود سامي البارودي بدلا منه.
 
    واجه أحمد عرابي وزمرته من الضباط المصريين الخديوي توفيق في 9 سبتمبر 1881م مطالبين بعزل رياض باشا، وتشكيل مجلس النواب، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي، فبادر الخديوي بعزل الوزارة، وكلف شريف باشا بتشكيل وزارة جديدة وطنية في 14 سبتمبر1881م، فبدأ الاستعداد لإجراء انتخابات النواب، وشرع شريف باشا في وضع دستور للبلاد، يتضمن توسيع اختصاصات المجلس، وجعل الوزارة مسئولة أمامه، وغير ذلك من المزايا، عدا حق المجلس في مناقشة الميزانية حتى لا يؤدى ذلك لاحتجاج إنجلترا وفرنسا ويفتح الباب للتدخل الأجنبي.
 
   اعترض أعضاء المجلس على عدم إعطائهم حق مناقشة الميزانية، وطالبوا بهذا الحق، بينما اعترض المراقبان الأجنبيان إعطاء المجلس هذا الحق، لأنه يعني مسئوليتهما أمام مجلس النواب، وأسرعت إنجلترا وفرنسا بتعضيد موقف المراقبين، وأرسلتا للخديوي مذكرة مشتركة تبلغاه فيها رغبتهما في مساعدته للتغلب على المصاعب الداخلية والخارجية.
 
   قدم شريف باشا استقالته نتيجة للخلاف مع مجلس النواب، فعهد الخديوي توفيق لمحمود سامي البارودي بتأليف الوزارة، الذي عين أحمد عرابي وزيرا للحربية، ووضع برنامجًا للإصلاح، وأعلن عن عزمه على التصديق على الدستور الذي أقره الوطنيون. أرسلت إنجلترا وفرنسا أسطوليهما للإسكندرية، وقدمتا مذكرة جديدة (25 مايو 1882م) تطالب فيها بإقالة وزارة البارودي، وإبعاد أحمد عرابي عن مصر، وعبد العال حلمي وعلي فهمي للأرياف. استقال البارودي احتجاجًا على قبول الخديوي للمذكرة المشتركة الثانية، ورفض الضباط الثلاثة تنفيذ الأوامر بالخروج من القاهرة، وإزاء ذلك اضطر الخديوي إلى إبقاء عرابي في مركزه أمام تهديد حامية الإسكندرية، وطالب رؤساء الأديان بإبقاء عرابي وزملاؤه.
 
   تطورت الحوادث بحدوث مذبحة الإسكندرية (11 يونيو 1882)، ذهب ضحيتها عدد من المصريين والأجانب، وتألفت وزارة جديدة برئاسة راغب باشا، وظل عرابي وزيرًا للحربية، ولكن الوزارة الجديدة فشلت في إعادة الهدوء للبلاد.
 
   تذرعت إنجلترا بإصلاح العرابيين لطوابي الإسكندرية، وقامت بضرب الإسكندرية في 11 يوليو 1882م. وأقام عرابي التحصينات في دمنهور وكفر الدوار لصد الإنجليز، وعزم على ردم قناة السويس لمنع دخول الإنجليز عن طريقها، ولكن ديليسبس وعده بمنع الأسطول الإنجليزي من المرور في قناة السويس اعتمادًا على حيادها، ولكنه لم يف بوعده، فنقل عرابي تحصيانته إلى التل الكبير لوقف زحف الإنجليز الذين نزلوا في الإسماعيلية.
 
   ساءت أحوال العرابيين بسبب ضعف الجيش، وحل الإنهاك به عقب وصوله للتل الكبير، فضلاً عن إعلان السلطان العثماني عصيان عرابي، كما أن الخديوي توفيق أعلن عزله، ودعا إلى عدم مقاومة الإنجليز، بالإضافة إلى ذلك خيانة بعض الضباط. وعلى ذلك دخل الإنجليز القاهرة بدون مقاومة في 14 سبتمبر 1882، واضطر عرابي إلى التسليم.
 
أهم أعمال الخديوي توفيق:
ـ تنظيم مخصصات الأسرة الخديوية، فقد ألغى مخصصات والدته وحرمه، واكتفى بمبلغ مائة ألف جنيه لمخصصاته السنوية.
ـ أول من تنازل من أفراد الأسرة المالكة عن أطيانه، لدفع الدين المطلوب من الحكومة.
ـ كان مهتمًا بنشر التعليم منذ أن كان وليًا للعهد، فأنشأ مدرسة القبة على نفقته الخاصة. وعندما تولى الحكم أصدر مرسومًا في 27 مايو 1880م بتأليف لجنة للبحث في تنظيم التعليم وشئونه، واقترحت اللجنة تأسيس مدرسة عليا للمعلمين لتخريج أساتذة، كما اقترحت زيادة عدد المدارس، فأنشأت كثير من معاهد التعليم الابتدائية والثانوية والعالية. وقد افتتحت المدرسة العليا للمعلمين في عهده، وأنشئت مدرسة مسائية للتعليم. وأنشأت الحكومة المجلس الأعلى للمعارف في 28 مارس 1881م.
 
ـ أنشئ في عهده مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، ومجالس المديريات عام 1883م.
ـ أصدر لائحة الموظفين المدنيين التي تضمن لهم حقوقهم في المعاش، وأردفها بلائحتي المعاشات الملكية والعسكرية. 
ـ ألغى السخرة، وأمر بإصلاح المساجد والأوقاف الخيرية.
 
ـ إستدان بمبلغ مليون جنيه لإصلاح القناطر الخيرية، وبدأ بحفر الرياح التوفيقي في أوائل عام 1887م، وانتهى العمل فيه عام 1888م. ووضع أساس قنطرة فم الرياح 1887م، وانتهى العمل فيها عام 1890م. وعدل فم الرياح المنوفي لزيادة فتحاته، كذلك فم رياح البحيرة أضيف إلى مبانيها فتحتان. وصدرت لائحة تنظيم أعمال الري وتوسيع نطاقها.
 
ـ أنشأ العديد من الشركات والبنوك الجنبية، من البنوك بنك الأنجلو إجيبسيان، وبنك الخصم والقطع الإيطالي1887م. ومن الشركات الشركة المساهمة الأمريكية التي تكونت عام 1881م لتوصيل التليفون بين القاهرة والإسكندرية، وقد تحولت هذه الشركة إلى شركة التليفون الشرقية عام 1882م واتسع نشاطها بعد ذلك. ومن الشركات التي توطدت أعمالها في مصر شركة ترام القاهرة، وشركة النور، وشركة ترام الإسكندرية، وسكة حديد الدلتا، وشركة البواخر النيلية. ومن شركات الأرض التي تكونت: شركة الأراضي والرهونات بمصر 1880م، والبنك العقاري المصري 1880م، وشركة أبو قير 1667م لردم أراضي بحيرة أبو قير وإعدادها للزراعة، وغير ذلك من الشركات.
 
   توفي الخديوي توفيق في قصر حلوان بالقاهرة في 7 يناير 1892م عن عمر ناهز 40 عاما بسبب خطأ طبى، فقد كان يعانى من تعب فى الكليتين بسبب إصابته بورم والتهاب بالمجاري البولية والبروستاتا ولم يكن الخديوى ولا الأطباء يدرون ذلك فكتبوا له أدوية خاطئة خاصة بالإنفلونزا تسببت فى انحباس البول الذى أدى إلى تسمم الدم، وكان والده "إسماعيل" حينها فى منفاه فى تركيا حيث عاش بعد عزله من منصبه، واستقبل الخبر ببرود وصمت. دفن جثمانه في ضريحه بمقابر المجاورين بمنطقة منشية ناصر بالقاهرة، بجوار جثمان زوجته أمينة هانم إلهامي.