د. مينا ملاك عازر

انتهيت من قراءة رائعة الكاتب التركي أورهان باموك روايته "القلعة البيضاء" تلك الرواية الفلسفية القائمة على أحداث تاريخية وتخيلية بطبيعة حال الروايات، تحكي الرواية عن أسير إيطالي يجيد فن الرياضيات والهندسة والطب ولإجادته الأخيرة بالذات يخرج من السجون التركية في عهد أحد السلاطين ثم يتعاون مع تركي يلقب بالأستاذ في عمل عرض بالألعاب النارية لفرح أحد الباشوات الأتراك، وعند نجاحهم يستمران معا في مشاريع عن الفلك وصنع الساعات وغيرها حتى يتقربا من السلطان، ثم لفشل سلاح أنتجه الأستاذ التركي يبدلان أماكنهما، يعود التركي لإيطاليا على أنه الأسير، ويبقى الأسير على أنه التركي، وخلال تلك الأحداث تدور صراعات فلسفية عن ماهية الإنسان؟ وكنهه ولماذا هو ونقاشات وإلقاء بعض الضوء على كثير من الأحداث التاريخية وأحداث الحملات الحربية التركية.
 
كل هذا كان ممتع بعض الأحيان، وأصابني بالملل بعض الأحيان لكن من المؤكد أن ما أثار فضولي وتوقفت عنده طويلاً ذلك التعارض الذي جرى بين رجلي العلم، بطلي روايتنا ومخابيل السلطان على حد وصفهما لحاشية السلطان العثماني حول موقف الدولة من وباء ألم بالناس وكان يميتهم، وكيف تعامل رجال العلم بالإحصاء والبحث عن جذور الوباء، وكيف يبدا وأين ينتشر؟ وكيف التصدي له؟ وكيف كان رجال السلطان يرفضون الإغلاق لمدينة اسطنبول وأسواقها واعتبارهم أن التجارة هي الحياة، في حين أن رجلي العلم كانا يريا وبالذات الاسير الإيطالي ضرورة الإغلاق خاصة بعد أن نجح الأسير في إقناع التركي بأن الوباء ليس من الله ويجب أن نخافه ونحتاط له، بل نفر منه إذا لم يستجب أحد وينفذ الإجراءات الاحترازية بمفهوم زمن الكورونا.
 
أكاد أجزم أن صراع كهذا كان دائراً بين الناس وقت تفاقم أزمة الكورونا والاتجاه للإغلاق، وأكاد أجزم مرة أخرى أننا نتأهب لنقاش وجدال صاخب كهذا مرة أخرى ما دمنا متجهين كقول الكثيرين نحو موجة ثانية للوباء، خاصة وأن أحد في العالم لم يفلح في الوصول للقاح قاطع آمن اللهم إلا إذا اعتبرنا ما وصلت له الصين وروسيا من لقاحات ناجعة، لكننا لم نرى لها تأثير واضح على مجريات الأمور، الأهم من هذا كله علينا أن نحسم أمورنا، هل نتجه للإغلاق أم أننا جاهزين بإجراءات احترازية مشددة في التعايش مع الفايروس أم مزمعين على عمل ما سبق لنا عمله أن أغلقنا، والأعداد بسيطة، وفتحنا ابواب العمل وعدنا له عندما تفاقمت الأمور، إذ كان أغلاقنا غير جاد بالقدر الذي كبح جماح الوباء في مهده، فقولوا لنا يا سادة بحق الأرواح التي زهقت والتي قد تزهق -لا قدر الله-، والتي تزهق للآن ماذا أنتم بنا فاعلون؟
المختصر المفيد هل نحن مستعدون؟